النسوية والسرديات الكبرى.
النسوية والسرديات الكبرى.
أماني أبو رحمة .
تطرح ليندا هتشيون نظرة ثلاثية الأبعاد تربط من خلالها
ما بعد الحداثية بالنسوية والسرديات الكبرى. وقبل الخوض في طروحات هتشيون سنتعرض قليلًا
للعلاقة بين ما بعد الحداثة والسرديات الكبرى أولًا ثم نتناول طرح هتشيون الذي ينطلق
أساسًا من هذه العلاقة.
عندما
حدد ليوتار حالة ما بعد الحداثة بوصفها التشكيك بالسرديات الكبرى، وضع الأسس لحوارات
ومناقشات قادمة حول النظم السردية التي ينتظم حولها المجتمع البشري ويمنح خبرته صفات
المعنى والوحدة والكونية . وفي نقاشاته ومجادلاته مع صاحب فكرة أن الحداثة مشروع لم
يكتمل بعد: "يورغن هابرماس"، ركز ليوتار على ما اعتقد أنه السردية المهيمنة
الأهم: التشريع والتحرر، مجادلًا بأن تميز ما بعد الحداثة هو في عدم اعترافها بسردية
شمولية واحدة وإنما بسرديات متعددة وصغيرة لا تنشد أي ثبات كوني أو تشريعي. ومن جهة
أخرى رأى فريدريك جيمسون أن كلًا من ليوتار وهابرماس في الحقيقة ينطلقان من سردية كبرى
بالنسبة للأول هي الثورة الفرنسية وللثاني الهيغيلية الألمانية: فــ"الأول"
يثمن الالتزام فيما يمنح "الآخر" وزنًا إضافيًا للإجماع. وبدوره انتقد ريتشارد
روي كلا الموقفين. فهو يلاحظ أنهماـ وللمفارقة يشتركان في المعنى المنتفخ لدور الفلسفة
في العالم المعاصر . أما هتشيون فتقول" إنه سواء كان منتفخًا أم لا فإن موضوعة
دور ووظيفة السرديات الكبرى في خطاباتنا المعرفية تستحق الاهتمام والمتابعة"
. وتتابع قائلة " إن أشكالًا مختلفة من النظرية النسوية والنقد قد جاء إليها من
زاوية خاصة: السرديات الكبرى التي كان قلقها الأساسي هو النظام الأبوي (البطريركي)،
وخصوصًا في نقطة تقاطعه أو اشتباكه مع السرديات الرئيسية الأخرى في عصرنا مثل الرأسمالية
والإنسانية الليبرالية. ففي شكلها النقدي، تداخلت النظريات النسوية مع اهتمامات الماركسية
وما بعد البنيوية ومع ما يسمى فن ما بعد الحداثة الذي يتمتع بالانعكاسية الذاتية والخلفية
التاريخية معًا بطريقة مفارقة، ويوصف بكونه هازئًا وسياسيًا في الوقت ذاته: فلوحات
جوان تود أو جويس فيلاند، وروايات سوزان سوان أو جوفير مارشيسولت، وصور جيف مايل أو
إيفرجن. هذه الفنون ساخرة هازئة وليست نوستالجية في تعاملها مع التاريخ ومع تاريخ الفن"
وباستجابتها لاستجواب السرديات الكبرى، تقف بعد الحداثية موقف الراغب في تفنيد المهيمنات
الثقافية (النظام الأبوي والرأسمالية والنزعة الإنسانية، وغيرها)، مع علمها بأنها قد
لا تستطيع النأي بنفسها عنها: ذلك أنه لا يوجد أي موقف خارج هذه السرديات الكبرى يمكن
منه إطلاق نقد لا يثير الشبهة بحد ذاته. وهذا يمس الحقيقة أيضًا التي ستجعل من سياسات
ما بعد الحداثية مثار تساؤلات وشبهات في نهاية المطاف. بل إن هذا الموقف المثير للشبهة
هو الذي يجعل تلك السياسات معروفة ومألوفة لنا. ومن خلال هذه المفارقة في نقد ما بعد
الحداثة المتواطئ للسرديات الكبرى تعقد الحركات النسوية وما بعد الحداثة شراكةً مميزة.
.
تعليقات
إرسال تعليق