فوكو وما بعد الحداثة: التفكير في الماضي من الحاضر.

فوكو وما بعد الحداثة: التفكير في الماضي من الحاضر.
أماني أبو رحمة.
قدم فكر فوكو اللاــ بنيوي واللاــ ماركسي نفسه جيدا لجيل من المنظرين الذين تحولوا نحو الثقافة . لقد اختار كثير منهم أن لا يكون سياسيا حتى لا يناله شيئا من الغضب المتزايد على دعاة اليوتوبيا الاجتماعية. بعضهم بقي حائرا ومتشككا. حتى أن دراسات الجسم من حيث النوع الاجتماعي(الجندر) باعتباره موقعا ثقافيا، وهي الدراسات التي نشطت كثيرا وجرى تسيسها بسبب انتشار الإيدز منذ منتصف السبعينيات والثمانينيات -واجهت الإحباط بسبب الفجوة التي تعمقت بين طريقة فوكو في التفكير والبديهيات الموروثة عن العمل الاجتماعي والسياسي. التفكير خارج القيود الفئوية كان في حد ذاته "شكلا جذريا وضروريا للنشاط،" ولكنه تضاءل بسبب الادراك المحبط أن هذا النشاط كان يتحول بسرعة الى "ما لا فائدة منه، وبالتالي ذيلا ممتدا لثقافة لا تقيمه ولا تفهمه."
ليس خطأ فوكو أنه جعل من الممكن نقد كل شيء، دون تقديم أي حلول سياسية من أي نوع . فالرجل كان مثقفأ ولم يدع أنه أخلاقي أبدا ، لقد وجه تذهيناته (اذا ما عدنا لفرويد) نحو تفكيك الاخلاق، لا نحو انهيارها المتزايد. وعلاوة على ذلك، لم يكن مسئولا أيضا عن الزمن الذي وجد فيه ولا عن الأزمنة التي ستتناول أعماله لاحقا. يصف هايدن  وايت عالم ما بعد الحداثة بشكل عام أنه "يذيب كل شيء صلب في الهواء ": فخطأ من هذا؟ ليس خطأ ما بعد الحداثة. على العكس من ذلك، فان ما بعد الحداثة هي استجابة لهذا الشرط، هي في حد ذاتها نتاج الحداثة الرأسمالية.
فوكو (على الرغم من أنه يتحاشى مصطلح ما بعد الحداثة ، ويرفض ان ينسب نفسه إليه) كان مجرد واحد من منظريها، لقد كان في الحقيقة من أوائل من نظر لها. كان أحد أبرز ثلاثة فرنسيين قادوا الفكر ما بعد الحداثي في القرن الماضي (فوكو ودريدا ودولوز، وقد يضيف بعضهم لاكان). كان حادا ودقيقا، لدرجة أنه من السهل أن يضعه البعض ضمن الحركة الفكرية ما بعد الحداثية في مكانة تقارن بتلك التي تمتع بها ادوار مانيه و جورج سورا فيما يتعلق بالحركة الجمالية الحداثية.

و سواء كنا ننظر أو لا ننظر اليه على ضوء ذلك ، أو باعتبار أن تأثيره في التفكير التاريخي كان "ثوريا"، الا انه لا يمكن أن يكون هناك عودة الى الوراء بالنسبة للرؤى التي طرحها لإعادة التفكير في الماضي من الحاضر.

تعليقات

المشاركات الشائعة