التحقيب الثقافي وتداخلاته: بناء مسارات التاريخ والثقافة.

التحقيب الثقافي وتداخلاته: بناء مسارات التاريخ والثقافة.
أماني أبو رحمة.
يفترض الحديث عن "ما بعد الحداثية" أو "ما بعد الحداثة" (وقد وضحت الفرق بينهما في منشور سابق)  أن هناك / أو قد كان هناك ما يعرف باسم "الحداثية/ الحداثة" وهكذا فانطلاقا منها، أو ضدها ، يمكننا أن نتحدث عن "ما بعدها".
وقد وظف مصطلح "ما بعد الحداثة" لوصف الحالات التالية:
*بعد الحداثة:
حيث يصنف، ويفترض، ويمد الميول الموجودة بالفعل في الحداثة، وليس بالضرورة في سلسلة متوالية زمنية صارمة، أو أنه يعالج الأسئلة والمشاكل الضمنية في الحداثة دون انقطاع عن افتراضاتها الأساسية.
*ضد الحداثة:
تخريب، ومقاومة، ومعارضة، أو مواجهة ملامح الحداثة.
*ما يكافئ "الرأسمالية المتأخرة":
ثقافة تهيمن عليها ما بعد الصناعة، والاستهلاك، والرأسمالية المتعددة والعابرة للحدود الوطنية، أو ما يمكن أن نطلق عليه (بدايات العولمة.)
* الحقبة التاريخية التالية للحداثة.
علامة الفترة الزمنية التاريخية، التي تعترف بالتحولات الثقافية، والإيديولوجية، والاقتصادية، دون مسار جديد (انتصار) أو تفضيل قيمي.
*الانتقائية الفنية والأسلوبية (ما بعد الحداثة الجمالية):
تهجين الأشكال والأنواع، والجمع بين أشكال ومصادر الثقافة "العالية" و "الشعبية " الثقافية ، وأساليب خلط ثقافات أو فترات زمنية مختلفة، ونزع التاريخية واعادة سيقنة الأساليب في الهندسة المعمارية والفنون البصرية والأدب والسينما والتصوير الفوتوغرافي.
*ظاهرة "القرية العالمية" :
عولمة الثقافات والأعراق، والصور، ورأس المال، ومنتجات "عصر المعلومات" وإعادة تعريف هوية الدولة القومية، التي كانت الأساس في العصر الحديث. ونشر الصور والمعلومات عبر الحدود الوطنية، والشعور بتآكل أو انهيار الهويات القومية واللغوية والعرقية والثقافية؛ والشعور بالخلط العالمي للثقافات على نطاق لم يكن محددا لمجتمعات عصر ما قبل المعلومات.
سقط الفلاسفة والمؤرخون والفنانون والمنظرون الذين طوروا الجدل الدائر حول هذه اللحظات أو الحركات التاريخية، "الحداثية / الحداثة" و "ما بعد الحداثية/ما بعد الحداثة" في شبكة من خطابات الافتراضات والأيديولوجيات التي تحتاج إلى نقد يقوم على أساس الانعكاسية الذاتية.
يفترض الكثير من النقاش إمكانية نقد التاريخ، وسيقنته بوصفه ذي مسار، وهدف، و نهاية (غاية أخيرة، الغائية telos teleology)،  تحقق / أو لم يتحقق في الفلسفات والتأملات والتطلعات الحداثية التي سادت في ثلاثينات القرن الماضي وحتى الخمسينيات منه.
شهد مطلع الألفية الثالثة(2000) تدشين جدل جديد حول "بعد ما بعد الحداثة" . كان هناك شعور مشترك في مجالات التطبيقات الثقافية والبحوث الجامعية أن العديد من القضايا التي اهتمت بها حقبة ما بعد الحداثة قد ولت واستنزفت بحثا أو يفترض، ونحن الآن في لحظة عالمية مختلفة، إلا أنها لازالت ضبابية وبحاجة لتحديد.
ويبدو أن وجهة نظر بعد ما بعد الحداثة (أيا كان موقعنا اليوم بعد استيعاب قضايا ما بعد الحداثة)  هي  اتخاذ حالة "ما بعد الحداثية/ ما بعد الحداثة " بوصفها معطى وخلق أعمال جديدة يمكن وصفها بالـ( ريمكس) متحللة من الحجج الحداثية ، وما بعد الحداثية، ومن الحجج المعارضة لهما أيضا . تأخذ بعد ما بعد الحداثة الحالات المختلطة للمصادر والهويات الجاهزة دائما بالاضافة الى أعمال جديدة بوصفها معطىً أو أمراً مفروغا منه، وليس سؤالاً أو مشكلة ـ خلافا لما بعد الحداثة التي مشكلت كل القضايا ابتداء بالمعرفة ومرورا بالفرد والسلطة وليس انتهاء بالتاريخ ـ ويُنظر الى استعارات من قبيل "شبكة" و "تقارب" و"أرخبيل" الثقافات الفرعية الخلاقة (على سبيل المثال، والموسيقيين والفنانين والمصممين والكتاب) بمعنى انها تعيش عمليات أو حالات إعادة الانجاز، وليس التجريد فقط. من هذا المنظور الأكثر حداثة، فإن العيش في الريمكس التهجيني اجباري ــ بالتالي ـــ وليس خيارا، لأنه هو الأساس للمشاركة في الثقافة الشبكية العالمية المترابطة التي نعيشها الآن . يمكننا أيضا أن نقول إن المصطلحات في الخطاب حول ما بعد الحداثة لم تعد مفيدة، أو أنها بحاجة إلى إعادة تحديد لتكون مفيدة لهذا العصر . وفي كلتا الحالتين، فان النقطة هي التفكير من خلال المشاكل ورؤية ما إذا كانت هناك مصطلحات تفيد العمل الثقافي المعاصر أم لا.




تعليقات

المشاركات الشائعة