ليندا هتشيون وسياسات ما بعد الحداثة .
ليندا هتشيون وسياسات ما بعد الحداثة .
أماني ابو رحمة .
تشير هتشيون إلى ميل أعمال ما بعد الحداثة إلى انتقاد صيغ التأثير الحداثية النخبوية والشمولية في بعض الأحيان، وتقصد بالطبع تلك الصيغ التي تطمح إلى (التغيير الراديكالي) ابتداءً من صيغ لودفيج ميس فان دي رو إلى باوند واليوت، ناهيك عن سيلين". توضح هتشيون أيضًا إصرار الحداثيين على إحداث التغيرات الجذرية دون الاعتراف بالثمن الذي يجب دفعه مقابل المواقف الأكثر تطرفًا للمفكرين الحداثيين (على سبيل المثال: الفاشية، والمستقبلية، والبدئية، والفوضوية، وغيرها). كما أنها تتشكك بفاعلية المشاريع النخبوية الحداثية في أن تؤسس لنقدٍ سياسي. أما إذا كان هناك ما يميز ما بعد الحداثة عن الحداثة فإنه "وفقا لهتشيون" علاقة ما بعد الحداثة بالثقافة الجماهيرية. ففي حين تعرِّف الحداثة نفسها من خلال استبعاد الثقافة الجماهيرية، إذ دفعها خوفها من التلوث بثقافة الاستهلاك المتنامية من حولها إلى تبني منظورٍ حصري ونخبوي فيما يتعلق بالجماليات والشكلانية واستقلالية الفن، فإن أعمال ما بعد الحداثة لا تخشى التفاوض مع "العلاقات المختلفة الممكنة (التواطؤ أو النقد) بين أشكال الثقافة العالية والشعبية". قدمت هتشيون في (سياسات ما بعد الحداثة) التصوير الفوتوغرافي بوصفه أنموذجًا مثاليًا، لأنه "يتحرك بعيدًا عن فلسفة السحر والنرجسية التي غالبًا ما تكون احتمالًا كامنًا في المرجعية الذاتية، إلى العالم الاجتماعي والثقافي الذي يمطرنا بوابل من الصور الفوتوغرافية يوميًا ". تطلق هتشيون على هذه الأعمال المعاصرة وذات المرجعية الذاتية (الحداثة المتأخرة) بدلًا من ما بعد الحداثة لأن "هذه التطرفات الشكلية هي بالضبط ما يتوجب استجوابه من قبل الأسس التاريخية والاجتماعية للرواية والتصوير الفوتوغرافي ما بعد الحداثي". تتضمن التقانات الأخرى التي تربطها هتشيون بأعمال ما بعد الحداثة: نزع الطبيعية عن الطبيعي (de-naturalization of the natural ) بمعنى رفض عرض المعنى المركب في الواقع بوصفه شيئا متأصلًا في ذلك الذي يجري تمثيله، واستجواب التمييز بين الرواية والتاريخ ((وبذلك فإنها ـ أي ما بعد الحداثة ـ تؤيد رأي ما بعد البنيوية في أن ما يطلق عليه التاريخ الموضوعي قد تأثر في الحقيقة بالبُنى الاجناسية والأيديولوجية وبالتراكيب الصناعية كالسرد تمامًا))، فضلًا عن اعترافها بتأثير الحاضر على معرفتنا بالماضي، وباعتمادنا على النصية، وأيضًا اعترافها بمحدودية المنظورية الفردية في فهم الماضي أو حتى الحاضر. تتميز ما بعد الحداثة بنزع الطبيعية عن الجنسوية والجنس. فالنسوية " جعلت ما بعد الحداثية تفكر ليس في الجسد فحسب، وإنما في جسد المرأة تحديدًا، وليس في جسد المرأة فقط وإنما في رغباته، وتفكر في كليهما بوصفهما بُنى اجتماعية وتاريخية عبر التمثيل ـ
يمكن أن يعرف التمثيل بأنه تركيب أو بناء جوانب من الواقع/الحقيقة مثل الناس أو الأماكن أو الأحداث أو الهويات الثقافية أو غيرها من المفاهيم المجردة في بنية ما. تربط هتشيون بين سياسات التمثيل ونزع الطبيعية في ما بعد الحداثة حين تقول: "إن ما بعد الحداثة تتحدى افتراضات التمثيل المرتكز على التقليد والمحاكاة" . أي أن ما بعد الحداثي يقوم بنزع الطبيعة الأصلية عن الواقع الذي افترضت الايديولوجيا أنه الحقيقة من خلال توظيف تقانة الترميز المزدوج: البناء ثم التخريب. وبالتوازي مع تحطيم الحواجز بين الأشكال الثقافية العالية والشعبية، فإن أهم استراتيجية تميز جماليات أعمال ما بعد الحداثة عن الحداثة هو الباروديا أو التهكم الساخر. تسمح تلك الاستراتيجيات مجتمعة لأعمال ما بعد الحداثة أن تحتفظ بنقد فاعل ومتواصل لما بعد الحداثية دون أن تقع فريسة للاعتقاد بأنه لا يمكن للمرء أن ينجو من التواطؤ مع الإيديولوجيات التي تحدد إحساسنا بالواقع في حالة ما بعد الحداثة. وتبعًا لهتشيون أيضًا فإن أحد أهم السمات التي تميز ما بعد الحداثية عن الحداثية هو حقيقة أنها " تأخذ شكل الوعي الذاتي، والتناقض الذاتي والتقويض الذاتي" . وإحدى وسائل خلق هذا الموقف المزدوج أو المتناقض حول أي بيان أو حالة هو توظيف المحاكاة الساخرة: اقتباس المتفق عليه للسخرية منه. وبعبارات هتشيون: يعد التهكم الساخرـ والذي غالبا ما يطلق عليه الاقتباسات المفارقة، المعارضة الأدبية، والاستيلاء، أو التناص ـ مركزيًا في ما بعد الحداثية بالنسبة لمنتقديها والمدافعين عنها على حد سواء.
من كتابي (أفق يتباعد : من الحداثة الى بعد ما بعد الحداثة ) .
تعليقات
إرسال تعليق