النسوية وما بعد الحداثة.
باستجابتها
لاستجواب السرديات الكبرى، تقف بعد الحداثية موقف الراغب في تفنيد المهيمنات
الثقافية (النظام الأبوي والرأسمالية والنزعة الإنسانية، وغيرها)، مع علمها بأنها
قد لا تستطيع النأي بنفسها عنها: ذلك أنه لا يوجد أي موقف خارج هذه السرديات
الكبرى يمكن منه إطلاق نقد لا يثير الشبهة بحد ذاته. وهذا يمس الحقيقة أيضًا التي
ستجعل من سياسات ما بعد الحداثية مثار تساؤلات وشبهات في نهاية المطاف. بل إن هذا
الموقف المثير للشبهة هو الذي يجعل تلك السياسات معروفة ومألوفة لنا. ومن خلال هذه
المفارقة في نقد ما بعد الحداثة المتواطئ للسرديات الكبرى تعقد الحركات النسوية
وما بعد الحداثة شراكةً مميزة.
أشار
العديد من المعلقين إلى ذكورة التقاليد الحداثية، ومن ثم ضمنية ذكورية ما بعد
الحداثية التي إما أن تكون في حالة ردة فعل على أو حتى قطيعة واعية مع الحداثة.
حاولت الحركات النسوية مقاومة الاندماج في معسكر ما بعد الحداثة، لسبب وجيه: أن
أجندتها السياسية قد تتعرض للخطر، أو على الأقل قد تحجب عن طريق الترميز المزدوج
النقدي المتواطئ في الآن نفسه ؛ كما أن خصوصياتها التاريخية والموقفية positionalities قد تتعرض لخطر التصنيف ضمن مباديء عامة. تعمل كلتا المؤسستين (ما
بعد الحداثة والنسوية) على إدراك الطبيعة الاجتماعية للنشاط الثقافي، ولكن النسوية
ليست مع محتوى العرض: فأشكال الفن لا يمكنها إحداث التغيير ما لم تفعل ذلك
الممارسات الاجتماعية. قد يكون العرض خطوة أولى، ولكنها "أي تلك الخطوة"
لا يمكن أن تكون الأخيرة. ومع ذلك فإن النسويات وفناني ما بعد الحداثة يتشاركان في
النظرة إلى الفن بوصفه علامة اجتماعية تقع لا محالة، في شرك علامات أخرى ضمن أنظمة
المعنى والقيمة . ولكن هتشيون تدعي أن الحركة النسوية تريد أن تذهب أبعد من
هذا العمل نحو تغيير تلك النظم، وليس فقط نزع تأثيرها. ليس هذا فحسب، بل إن هناك
فرقًا آخر بين المشروعين. تقتبس هتشيون من باربرا كريد قولها: "بينما تحاول
النسوية أن تشرح الأزمة من خلال أعمال الأيديولوجية البطريركية وقمع النساء
والأقليات، فإن ما بعد الحداثية تنظر إلى أسبابٍ محتملة أخرى - خصوصا اعتماد الغرب
على الإيديولوجيات التي تفترض (حقائق) كونية: في الإنسانيات والتاريخ والتقدم. .
إلخ. وبينما تؤكد النسوية أن الموقف الإيديولوجي المشترك بين جميع هذه (الحقائق)
هو البطريركية، تتردد (أو حتى تعارض) نظرية ما بعد الحداثة في تحديد عامل رئيسي
حاسم".
ويعود
تردد ما بعد الحداثة في الاعتراف بعاملٍ وحيد حاسم ومؤثر إلى خوفها من السقوط في
فخ التهمة التي وجهتها ضمنًا للإيديولوجيات الأخرى: الشمولية. وترى هتشيون أن كريد
على حق في القول "بأن ما بعد الحداثة لا تمتلك موقفًا امتيازيًا وغير إشكالي
يمكنها أن تتحدث من خلاله"، ولذلك فإنها تلاحظ، "إن المفارقة التي
نجد أنفسنا نحن النسويات فيها: إنه في حين أننا نعتبر الخطابات البطريركية خيالات،
فإننا ننطلق منها كما لو كانت موقفنا، استنادا إلى الاعتقاد بأن اضطهاد المرأة،
كان أقرب إلى أن يكون (حقيقة) ".
لكن
رفض ما بعد الحداثة لانحياز نحو موقف متميز هو موقف أيديولوجي تمامًا كموقف
النسوية. وما تقصده هتشيون بـ (أيديولوجية) هنا، هو الممارسات الاجتماعية المعقدة
ونظم التمثيل. هذا التخبط السياسي ما بعد الحداثي (التذبذب بين الرفض والعودة عنه
من قبل اليمين واليسار على حد سواء) ليس من قبيل المصادفة، ولكنه نتيجة مباشرة
للترميز المزدوج للتواطؤ والنقد. وفي حين أن النسوية قد توظف استراتيجيات التفكيك
ما بعد الحداثية الساخرة، فإنها لم تعان من هذا الارتباك في أجندتها السياسية،
ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها تمتلك موقفًا و(حقيقة) توفر وسائل لفهم الممارسات
الجمالية والاجتماعية في ضوء إنتاج - وتحدي لـ- للعلاقات الجنسوية. تلك هي سردية
النسوية الكبرى. وهي أيضًا قوتها وربما في نظر البعض على الأقل قيدها وسقفها
الضروري. في حين أن النسوية وما بعد الحداثية تعملان على مساعدتنا في فهم صيغ
التمثيل السائدة في العمل في مجتمعنا، تركز النسوية على الموضوع الأنثوي من
التمثيل على وجه التحديد، وقد بدأت في اقتراح سبل الطعن وتغيير تلك المهيمنات في
الثقافة الشعبية والفن الرفيع على حد سواء. لقد علمونا أن القبول بلا تردد أو
مساءلة لأي تمثيلات ثابتة في الرواية، والأفلام، والإعلانات، أو أيًا كان، يعني أن
نتغاضى عن النظم الاجتماعية للسلطة التي تجيز وتشرِّع بعض الصور للمرأة (أو السود،
والآسيويين،. . . . . .، الخ) دون غيرهم. يتم الإنتاج الثقافي ضمن سياق اجتماعي
وأيديولوجية نظام قيمي حي ـ ولهذا فان العمل النسوي قد جذب اهتمامنا. وبهذه
الطريقة، فإن النسوية كانت ذات تأثير عميق جدًا على ما بعد الحداثة. ليس من قبيل
الصدفة أن ما بعد الحداثة تتزامن مع النسوية في إعادة تقييم أشكال الخطاب السردي
غير المقبولة، فمثلا يكتب رولان بارث سيرة ذاتية ما بعد حداثية بامتياز بعنوان
(رولان بارث)، ويكتب مايكل أونداكشي سيرة عائلية ما بعد حداثية أيضًا بعنوان (يجري
في العائلة)، وتحمل الروايتان مشتركات عديدة مع روايات مثل (طفولة) لكريستا وولف
وآنا التاريخية لمارلات دافني . لا تتحدى هذه الروايات ما نسميه أدبًا (أو،
بالأحرى، الأدب)، ولكن أيضا ما كان من المفترض أن يكون السرد السلس الموحد
للتمثيلات الموضوعية في كتابة السيرة. أعلن فيكتور بورجين أنه يريد لصوره الفوتوغرافية
ونظريته الفنية إظهار معنى الاختلاف الجنسي بوصفه عملية إنتاج، وبأنه "شيء
قابلة للتغيير، شيء تاريخي، ومن ثم شيء يمكننا أن نفعل شيئًا حياله" .
تعليقات
إرسال تعليق