سؤلان عن السلطة.

سؤلان عن السلطة:
للنظريات عن السلطة تقاليد عديدة . يكشف استعراض سريع عن عدد منها .الأُولى، نظريات "التعددية"، كما صاغها روبرت دال وغيره . تضم الثانية نظريات السلطة "النخبوية"،  وأبرزها في عمل ستيفن لوكس عن "مفهوم السلطة ثلاثية الأبعاد". وأخيرا، فإن التقليد الثالث يأتي من النظريات الماركسية عن السلطة مثل نظرية بينو تاشكي عن "علاقات الملكية الاجتماعية" أو نيكولاس بولانتزاس في " نظرية الدولة". ومع ذلك، فإن ميزةً توحد كل هذه النظريات المختلفة وهي أنها تعتبر السلطة كيانا يمكن استخدامها، أو حيازتها، أو ممارستها . وبعبارة أخرى، السلطة هي مادة  وكيان. وهكذا، فانها جميعا تطرح السؤال الويبري (ماكس ويبر) "من يحكم "؟ من الذي لديه السلطة وماذا يفعل بها؟  إن ما هو مهم في هذه النظريات عن السلطة هو النتيجة والمكان - شرعيتها وأُسسها . تطرح هذه التنظيرات التقليدية، أولا وقبل كل شيء، الأسئلة التالية: من؟ ماذا؟ أين ؟ والجواب الواضح سيكون الدولة.
وعلى النقيض من المقاربات التقليدية للسلطة، يسأل فوكو : "كيف تتم ممارسة السلطة ؟" لا يعني  فوكو " كيف تعبر [السلطة] عن نفسها ؟ "، ولكن بدلا من ذلك، "بأي الوسائل والطرق تُمارس [السلطة] ؟ " ويتابع بسؤال: "ماذا يحدث عندما يمارس الأفراد (كما يقولون) السلطة على الآخرين؟" يبدأ فوكو تحليله بعكس المقولة الشهيرة لكلاوزفيتز :" السياسة هي استمرار للحرب بوسائل أخرى ". وهكذا، بالنسبة لفوكو، فإن السلطة لا تفهم الا من خلال تطبيقها الملموس للاستراتيجيات والتكتيكات: بمعنى أن السلطة علاقة قوة. ووفقا لذلك، فإن الاجابة على سؤال "ما هي السلطة؟"، يقترح فوكو شيئاً من هذا القبيل: علينا أن نبدأ مع افتراض أن "السلطة على هذا النحو غير موجودة" ، إلا أنه يجب أن ينظر إليها باعتبارها شبكة كثيفة من العلاقات المنتشرة في كل مكان - إنها تأتي من الأسفل وتنتشر في كل مكان.
وبطريقة ما، فان إجابة فوكو بسيطة جدا: السلطة هي تلك التي بين الأشياء. السلطة على هذا النحو لا يمكن أن تكون كيانا من الناحية المنطقية، بحيث يمكن استخدامها، أو امتلاكها ، أو ممارستها. وبالتالي، يخلص فوكو، إلى أن "السلطة تمارس '" بمعنى انها "موجودة فقط في العمل"، وأنها هي التي "تعين العلاقات بين الشركاء". وعلاوة على ذلك، فان علاقات السلطة لا تقيم علاقة خارجية مع أشكال أخرى من العلاقات، على سبيل المثال العلاقات الاقتصادية وعلاقات المعرفة، أو العلاقات الاجتماعية. وذلك لأن السلطة في كل مكان، ليس هناك مبدأ ترتيب عام. إنها تُنتج من لحظة إلى التالية ، وتبعاً لذلك فلا يمكن أن تكون السلطة مقيدة ، أو اقصائية، أو قمعية فحسب ، ولكنها أيضا منتجة. "السلطة "، يقول فوكو، "تنتج، تنتج الواقع، وتنتج حالات وأشياء وطقوس الحقيقة ". وخلاصة القول، إنه في إطار مفهوم فوكو للسلطة، فإن مشكلة "من يحكم؟ " تصبح إشكالية . ويجب علينا، بالتالي، أن نبدأ استجوابنا للسلطة بسؤال "كيف؟" - كيف تتم ممارسة السلطة ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة