الذات بعيداً عن" الموضعة" في الخطاب.

الذات بعيداً عن" الموضعة" في الخطاب.
أماني أبو رحمة.
تحاول النسوية البريطانية المعاصرة  ويندي هولوي Wendy Hollway العمل على مجموعة من النظريات : نظرية الخطاب الفوكووية، ونظرية علائق الموضوع، ونظرية لاكان لتسليط الضوء على الجنسانية. وهدفها من ذلك هو الاستفادة من هذا المزيج من النظريات في التنظير للجندر والسلطة والذات والخطاب دون معالجة الذاتية بوصفها "مجموع المواقف في الخطابات".
تقترح نظرية علائق الموضوع Object relations theory أن الذاتية تتشكل من الخبرات في 'المرحلة ما قبل الأوديبية " التي يتحول فيها الطفل من كونه وحدة واحدة مع الأم إلى كونه منفصلا عنه. في البداية، لم يكن الطفل يفهم الذات بوصفها مستقلة عن الأم ــــــــ فمعرفته الذاتية "غير متمايزة". ومن خلال التفاعل الاجتماعي يصبح الطفل "متمايزا " عن الأم، وعندمايقترب من الستة أشهر من العمر، يبدأ في رؤية نفسه والأم كأفراد منفصلين. ويعتبر منظري علائق الموضوع عملية التمايز هذه أساسية لتطوير معرفة الذات الفردية والثقة بالنفس والشعور بالأمن الوجودي. تتضمن النظرية أن الذكور لديهم مشكلة معينة لأنهم مضطريين إلى رفض الأم أكثر من الاناث لأن خلق هويتهم الجندرية يستتبع نبذ البعد الأنثوي. تقول هولوي، على سبيل المثال، أن الرجال يقاومون رغبتهم في العلاقة الحميمة مع الآخر لأن العلاقة الحميمة تجعلهم أكثر هشاشة. وهذا يقدم لنا تفسيرا لماذ يستثمر الذكور في الخطابات التي تعتبر النساء ضعيفات وعاطفيات والرجال أقوياء وعقلانيون. تقدم نظرية لاكان الجسر الذي يمكن أن يصل  بين المنظور الاستطرادي ونظرية علائق الموضوع. فهي تمثل الفهم البنائي للعلاقة بين الأم والطفل وانتاج الذات نتيجة لذلك. يدعي لاكان أن الطفل يمر أولا من خلال مرحلة وهمية تمنحه شعورا بالاكتمال من خلال علاقته بالام. ثم، وبينما يتحول إلى شخص اللغة،  فإنه يفقد هذا الشعور بالاكتمال ولكنه دائما يسعى للعودة إلى حالة الكمال المفقود. هذ الرغبة في الكمال هي التي تدعم استثمار الفرد في الخطابات المختلفة. جزء آخر من نظرية علائق الموضوع يقترح أن بعض القوى النفسية تخلق الرغبة الكونية في الأمن. ومن أجل تلبية هذه الرغبة يستثمر في الناس في بعض الخطابات. على سبيل المثال، يمكن للناس أن يعتمدوا على خطاب خاص حول انتشار الجريمة من أجل التكيف مع انتشار المخاطر في أواخر الحداثة. وهم قد اختاروا هذا الخطاب بدلا من الخطابات الآخرى لأنه، على عكس الخطابات المتعلقة بالكوارث العالمية البيئية، يوفر لهم مخاطر يكون مصدرها (المجرم) معروفا، ويقترح وجود مسار عمل يمكن لهم الانخراط فيه  بأنفسهم (مثل شراء جهاز انذار ضد السرقة).
للوهلة الأولى، تبدو نظرية علائق الموضوع في صراع مع تحليل الخطاب لأنها تشير إلى العمليات العقلية الكونية والداخلية كسبب للاستثمار في خطابات محددة. لكن هولوي تحاول التوفيق بين النهجين بإدعاء أنه على الرغم من أن الرغبة في السلامة والاكتمال تنبع من قوى نفسية عميقة الجذور وقلق كوني، إلا أنها تتجلى بطرق مختلفة بوصفها  وظيفة لمعان مختلفة تعود إلى تجارب أُناس مختلفين وفي فترات تاريخية وسياقات اجتماعية مختلفة . ولكن على الرغم من أن هولوي وجيفرسون يعتمدان على لاكان من أجل أن يأخذا في الاعتبار الخبرات التي تُشيد في المعنى في الخطابات، إلا أن توظيفهم لنظرية علائق الموضوع يمنح أهمية كبيرة للفرد، والاوعي، والقوى النفسية والخبرات المباشرة المبكرة جدا.
بالتشديد على آثار التجارب المباشرة التي جرت في الماضي البعيد، فإن نظرية علائق الموضوع لا تتفق مع فرضية تحليل الخطاب التي تقول أن الفئات النفسية مفتوحة على التغيير من خلال مشاركة الفرد في الممارسات الخطابية والخبرات التي تشكل من خلال الخطاب.
وإذا كان الهدف هو الجمع بين النهجين، فإن نظرية علائق الموضوع بحاجة الى أن "تترجم" بمصطلحات تحليل الخطاب إلى حد أكبر مما هو الحال هنا. في محاولة أخرى  للجمع بين النظريتين، التحليل النفسي وعلم النفس الاستطرادي، قام مايكل بيليج بعمل أوسع. فقد اختار النظرية الفرويدية بدلا من اللاكانية، حيث أنه يعتبر الأخيرة تستند على فهم اللغة باعتبارها منفصلة عن التوظيف اليومي للغة. وفقا لبيليج، إن التحليل النفسي وتحليل الخطاب يمكن ربطها معا من خلال مفهوم " اللاوعي الحواري" . يتكون اللاوعي الحواري من التصريحات التي قد تم قمعها في سياقات اجتماعية معينة. وبينما ينظر فرويد الى الانشطة الاجتماعية بما في ذلك توظيف لغة بوصفها من مظاهر دوافع اللاوعي الداخلية، فإن بيليج يتصور اللاوعي بوصفه نتاج حوار( مع / وفي) العالم الاجتماعي. والفكرة هي أنه من خلال الحوار فإن الناس يقمعون الأشياء،  وعلى مستوى أكثر عمومية، يكتسبون القدرة على القمع.
يمكن أن نفحص دور اللغة في عمليات القمع من خلال تحليل الخطاب. بعض الخطابات تجعل بعض الثيمات ممكنة، والأخرى من المحرمات، بحيث أن البيانات لا تعبر فقط عن الأشياء ولكن أيضا تشارك في القمع. تقود المحرمات حول بعض المواضيع المتكلم إلى الاختيار بين الخطابات المختلفة المتاحة والاستثمار في خطاب واحد بعينه. وهكذا، ولأجل تعزيز بعض التفاهمات في العالم، واستبعاد تفاهمات أخرى، يصبح للقمع عواقب أيديولوجية.

ومع ذلك، لا بد من الحذر عند الجمع بين التحليل النفسي وتحليل الخطاب لأن النهجين يقومان على افتراضات مختلفة. لهذا فمن ضروري التفكير في العلاقات بين النهجين على أساس فهم انعكاسي يأخذ بعين الاعتبار الأسس النظرية المتناقضة ونوع المعرفة (الطارئ والمحدد)  المنتجة داخل كل نهج.

تعليقات

المشاركات الشائعة