التفكيكية : مفاوضة المستحيل إلى ما لا نهاية.

التفكيكية : مفاوضة المستحيل إلى ما لا نهاية.
أماني ابو رحمة.
في (مواقع Positions) يوضح دريدا أن المهمة الأولى للتفكيك هي تخريب التسلسل الهرمي. وهذا أمر ضروري لتسليط الضوء على "التركيب الصراعي والاخضاعي للمتعارضات " ويؤكد أيضا  هيمنة طريقة معينة من التفكير على الطرق الأخرى، ويكذب فكرة المعنى الثابت، وبالتالي يعرض وجود الثنائيات للخطر، ويزعزع استقرار فئات الفهم المحدد مسبقاً.
ولكن هذه ليست سوى المرحلة الأولى. يؤكد دريدا كيف أن البقاء في هذه المرحلة يعنى أن تظل ضمن تركيبة المتعارضات الثنائية، وان تسمح للتسلسل الهرمي بإعادة تأسيس نفسه. فإذا ما قصرنا التفكيكية إلى قلب(عكس)  بسيط للثنائيات، فإن التحقيق سيبقى محاصرا "في المجال المغلق لهذه المتعارضات".
ما يعنيه هذا هو أنه بدلا من إجراء أي تغيير حقيقي على الأوضاع الهيكلية، فإن ما يحدث هو مجرد مقايضة مواضع المهيمن والمرؤوس(المركز والهامش)، والسماح للظروف ذاتها التي أنتجتها أن تستمر. من أجل تجاوز هذه الدينامية، وكسر الهيكل نفسه، فإن المرحلة الثانية  من التفكيك ضرورية.هنا (في المرحلة الثانية) يصبح   العنصر غير المحدد من التفكيك مرئيا. وبدلا من الاعتماد على عكس الثنائيات، وبالتالي قبول مظاهر مختلفة من معنى ثابت، فإن هذه المرحلة  تتطلب منا خطوة خارج التعارض الثنائي، البحث عن معاني جديدة، ليس من خلال تكرار الأفكار ولكن من خلال تحليل كيف جرى تأطير الأفكار، وكيف نصبت الحجج وسارت النقاشات.
وصف دريدا  في حلقة نقاش في فيلانوفا ذلك كمن يبحث عن "التوترات والتناقضات وعدم التجانس داخل البنية الأساسية (الجسد) , وفقط من خلال  التحليل الذي لا نهاية له والنقد والتفكيك، فإننا نستطيع أن نمنع الهياكل الحالية للهيمنة من إعادة تأكيد نفسها.
في هذا السياق، فإن هم التفكيكية ليس اكتشاف "الحقيقة" أو استخلاص استنتاجات صحيحة.  بدلا من ذلك، فإن ما تهتم به هو عملية الاستجواب نفسها. وهي عملية تتسم بعدم اليقين وعدم التعيين. لهذا السبب، يفسر دريدا التفكيكية بأنها ليست "طريقة method "، ولا يمكن أن تتحول إلى طريقة. لا يمكن للمرء "تطبيق" التفكيكية لاختبار فرضية أو لدعم حجة. بل هي عملية مستمرة من التحقيق معنية بتركيب المعنى في حد ذاته. وكما هو موضح في "رسالة إلى صديق ياباني"، فإن التفكيكية بالنسبة لدريدا ليست تحليلا ولا نقدا. كما أننا لا نقوم  بها من أجل تحقيق هدف معين. وهي ليست البحث عن "عنصر بسيط" أو "الأصل الذي لا ينفصم." ونتيجة لذلك فإن قيمتها ليست مرتبطة بأي بناء أو تركيب لاحق.
كما أن هدف وجودها ليس استبعاد تركيب لإستبداله بآخر، ولكنها ببساطة تعمل على الكشف عن المنطق الداخلي لهذا التركيب من أجل أفضل فهم ممكن له. أدى  ذلك إلى اتهام التفكيك بأنه غير معني بشكل كاف بقضايا العدالة والأخلاق. ولكن دريدا واضح جدا في هذا الشأن. إذ على الرغم من أن التفكيكية ليست معنية في المقام الأول بالدفاع أو التنشيط،  إلا أنها  ليست عدمية أو فوضوية. فهي لا ترفض الحاجة إلى القانون والمؤسسات، بل تهدف إلى العمل ضمن هذه الهياكل والتراكيب للكشف عن إمكانيات جديدة. كما انها لا تسعى إلى تفكيك المؤسسات ذاتها، وإنما "التراكيب" داخل المؤسسات التي أصبحت جامدة جدا، أو دوغمائية، أو التي تشكل  عائقا في وجه أبحاث واستنتاجات مستقبلية جديدة. وبالتالي فإن التفكيكية قوة ايجابية تفتح آفاقا تم قمعها من قبل بحكم هيمنة طريقة واحدة معينة من المفاهيم ( عن العدالة مثلا ).
لا تهدف التفكيكية لتقديم إجابات. وهي لاتسعى لإثبات حقيقة موضوعية أو لدعم مزاعم معينة لمفهوم على آخر. لهذا السبب فإن التفكيكية في حد ذاتها غير محددة. بشأن ( قوة القانون) يعترف دريدا بأن التفكيك "مستحيل". و"حدث " التفكيك لن يؤدي إلى نتيجة حاسمة.  لن يكشف عن المعنى الحقيقي الواحد للعدالة التي يمكن أن تتجسد في القانون. بدلا من ذلك، فإن التفكيكية تتطلب أولا وقبل كل شيء السعي الحثيث للمستحيل. ما 'يحدث' ليس السعي وراء الجواب الذي سيكون نهاية التحقيق والتقصي، ولكن بدلا من ذلك، فإنها تنشد الاستجواب المتواصل التي يحافظ على عقولنا مفتوحة لفكرة أنه قد تكون هناك وجهات نظر بديلة وتفاهمات أخرى حول معنى ما ( العدالة مثلا بوصفها مثال المقالة هنا).
عندما ينظر إليها من خلال هذه الظروف، فإنها ليس منهجا أو طريقة ولكنها مجرد وسيلة للقراءة والكتابة والتفكير والعمل. بدلا من السعي الى نقطة نهاية أو خاتمة صلبة، فان الوسائل لن تتمايز عن النهاية. سيرورة  الاستجواب  غاية في حد ذاتها.
التفكيكية هي مفاوضة المستحيل وغير القابل للتعيين  إلى ما لا نهاية. 

تعليقات

  1. لقد اسعدني جدا دخولي الى مدونتك استاذة اماني ابورحمة ولقد تلهفت على كتبك الى حد الوله دامت انوارك تطل علينا احمد الحسين التهامي كاتب من بنغازي ليبيا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة