الذاكرة وظلال التاريخ : عن"نصوص الذاكرة" في الألفية الثالثة.


الذاكرة وظلال التاريخ : عن"نصوص الذاكرة" في الألفية الثالثة.

أماني أبو رحمة

هل تعلم - علما بأن الأمر ليس بسيطا، كما أنه لا يمكن رفضه بسهولة - إن هناك حقيقة في الخيال.
                      (أنطونيا سوزان بيات، امتلاك...رومانسية،1990)

نواجه الماضي المنسي مرة أخرى في أدب رائع. سرد ذلك الماضي يشفى الذاكرة المغطاة.
                         ("الذاكرة الثقافية ودور الأدب" رينات اشمان، 2004)

ربما أن أحد أسباب الاهتمام بالذاكرة نهايات القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، هو أن ظهورها في الخطاب التاريخي يبدو وكأنه يستحث الجانب الوجداني من التأريخ الذي سبق أن اُستؤصل من التاريخ الذي صُنِّفَ وتفرعَ بوصفه علماً. وتشير كارولين رودي‘ في تناولها لرواية (محبوبة) لتوني موريسون،1995ــــــ إلى أن مقاربات نظرية معينة للرواية التاريخية مثل مقاربات ليندا هتشيون ما بعد الحداثية ليست موحية، أو أنها موحية جزئياً، لأنها تنظر إلى الكتابة التاريخية فقط من حيث إيديولوجيات التمثيل، دون النظر إلى الجانب العاطفي من الكتابة التاريخية، طالما أن مشروع التأريخ يسن علاقة رغبة، أو تضمينات عاطفية للماضي والحاضر.
 وفي حين أنه يتم تقييم الرواية التاريخية من حيث إخلاصها لتناول التاريخ لأحداث الماضي، ويتوقع من وراء القص التاريخي ما بعد الحداثي أن يميز مشكلة تمثيل التاريخ على حساب الذاكرة التاريخية، فإن نصوص الذكريات أو إعادة التذكر يمكن لها أن تستوعب صيغاً تاريخية متعددة بما فيها الوجدانية والعاطفية، وفي الواقع فإن عدداً من هذه الصيغ يمكن أن تتنافس ضمن نص واحد.
لا يعني استدعاء "الذاكرة"، بدلاً من "التاريخ"، توفير وسيلة بسيطة للخروج من عقد التعاريف المرتبطة بـ "التاريخ" و "الرواية"، ولكنه يقدم مجموعة أخرى من المصطلحات التي تحدد في كثير من الأحيان عن طريق معارضتها لبعضها البعض.
ومثل الرواية والتاريخ، فإن التاريخ والذاكرة يحتل كل منهما الآخر يؤكد ديفيد لونثال ـ إن كلا من التاريخ والذاكرة "ينطوي على عناصر من الأخر، كما أن حدودهما غامضة ". وينتقد كيروين كلاين في (عن ظهور الذاكرة في الخطاب التاريخي،2000)، ظهور الذاكرة في الخطاب التاريخي، ويشير إلى أن "الذاكرة تستبدل المفضلات القديمة ـ الطبيعة والثقافة واللغة ـ بوصفها الكلمات الأكثر اقتراناً بالتاريخ، ويعيد هذا التحول صنع الخيال التاريخي. ويمكننا، بكل ثقة، إضافة الرواية، ضد المفهوم الذي عُرف التاريخ أو أعيد تعريفه على أساسه، إلى هذه القائمة من التزاوجات مع التاريخ.
في معارضة للتاريخ والذاكرة التي يصفها رافائيل صموئيل بوصفها إرثاً من الرومانسية، فإن ترسيم الحدود مماثل على نحو لافت للنظر لتلك المعارضة التقليدية بين التاريخ والتخيل، بحيث تقف الذاكرة مكان القص أو التخييل. وترتبط الذاكرة بالذاتية والقيل والقال والخيال، ولكن في هذا الاقتصاد الاستطرادي فإن هذه العلاقات تصبح ضمانا للأصالة. تماما كما أن هذه الخصائص تقود في أوقات معينة إلى تفضيل الخيال بوصفه صيغة تاريخية، لذلك، أيضاً، فإن الذاكرة أحيانا تتمايز عن التاريخ لفهم الحاضر من خلال علاقته بالماضي. في تناول بيير نورا (لأماكن من الذاكرة، 1989) يبقى التاريخ والذاكرة متناقضين. ترتبط الذاكرة، التي تثبت بوصفها "الحياة"، و"العاطفة" و"السحر"، بالتكرار التلقائي، في حين أن التاريخ هو "إعادة البناء، الإشكالي وغير المكتمل دائماً، لما لم يعد موجوداً.
 يصبح التاريخ مصطنعاً في حين تصبح الذاكرة مؤقلمة ومطبعة. هنا، مرة أخرى، فإن الماضي يدرك بوصفه حضوراً غير إشكالي، يمكن الوصول إليه مباشرة في الحاضر إذا ما وظفنا الأداة الصحيحة. وفي هذه الحالة تحل الذاكرة محل التاريخ بوصفه سلطة الماضي. وتصبح الذاكرة التي تعد بالفورية بديلاً عن التاريخ الذي لم يعد بإمكانه أن يعد بسبيل يوصل إلى الواقع :" تغرينا الذاكرة لأنها تبرز لنا الفورية التي شعرنا بأنها قد فقدت من التاريخ...تعد الذاكرة بعودات مكللة بالضياء".
ويقترح كلاين ـ مرتكزا على الصياغة الحديثة للتاريخانية الجديدة والتاريخ الثقافي الجديد، التي تعد الكلمة المفتاحية (الذاكرة) عندها مصطلحاً شبه ديني يوظف لإكمال التاريخ، أو ربما للحلول محله بوصفه صيغة التفكير التاريخي، " إذ على النقيض من التاريخ، تهتز الذاكرة إلى حد كبير مع امتلاء الكينونة ". ترمم الذاكرة أصالة الواقع الماضي، ومتاحيته والمرجعية التقليدية للتاريخ. ويطلب منها أيضاً "إعادة الفتنة والسحر إلى علاقتنا بالعالم وصب الحاضر في الماضي مرة أخرى ".
تتعقد مقابلة التاريخ والذاكرة كما يعرضها نورا على يد العلماء الذين يبدو أنهم يعكسون ما يدعيه نورا حول " اقتحام التاريخ للذاكرة وإبادتها ".
 إنهم يسقطون التعارض بين التاريخ والذاكرة، بحيث يصبح التاريخ نوعاً من الذاكرة، مرتبطاً في أغلب الأحيان بالتذكر الإرادي. وتبعا لذلك يحدد بول ريكور نوعين من الذاكرة موظفا التمايز في اللغة اليونانية بين mne¯me¯ وبين anamne¯sis ¯. فكلمة mne¯me¯ التي تعني "الذاكرة كما تظهر في نهاية المطاف ظهورا سلبيا لنقطة التشخيص بوصفها عاطفة – مثيرة للشفقة "، في حين أن anamne¯sis هي" الذاكرة بوصفها هدفاً بحثياً يطلق عليه عادة الاستدعاء، أو التذكار ".
 ويرى باتريك هاتون أن هذا التناول يحاذي بين anamne¯sis والتاريخ. ففي كتابه (التاريخ بوصفه فن الذاكرة،1993 ) يتتبع هاتون لحظتين مختلفتين من الذاكرة ويصنف التاريخ ضمن فئة الذاكرة الأوسع. فلحظة الذاكرة الأولى هي التكرار التي تُعنى بحضور الماضي؛ إنها لحظة الذاكرة التي تشق الطريق أمام صور الماضي ليستمر في تشكيل فهمنا الحالي بطرائق غير عاكسة. ويمكن للمرء أن يطلق على هذه اللحظات من الذاكرة (عادات العقل) وتبعا لذلك فإنها غير واعية إلى حد كبير.
واللحظة الثانية من الذاكرة هي الاستذكار، وهي أكثر وعياً بمعنى أنها محاولة إرادية لاسترداد الذاكرة. وهذا ما دفع هاتون إلى التأكيد على أن التاريخ هو "فن الذاكرة" لأنه الوسيط بين لحظتين من الذاكرة: التكرار والاستذكار". يتشكل التاريخ بوصفه مظهراً من مظاهر الذاكرة، التي "تعنى بجهودنا الحالية لاستحضار الماضي".
إنها تلك اللحظة من الذاكرة التي نعيد بها تركيب صور الماضي بوعي وانتقائية تناسب احتياجات وضعنا الحالي.
 واحد من تأثيرات تصنيف التاريخ ضمن الذاكرة هو أنه يؤكد مجموعة من الممارسات التذكارية التي تشكل السبل التي نتورط بها مع الماضي، مما يجعل من التاريخ – الأكاديمي والعلمي - وجهاً واحداً فقط من أوجه مقاربات المعرفة التاريخية الكثيرة. وفي حين يسعى المؤرخون للوصول إلى القصة الأكثر صلاحية وموثوقية حول الماضي، ولاكتشاف "ما الذي حدث بالفعل "، تمتلك الذاكرة عدداً من الأهداف المختلفة. تقول آن ريني في (الآثار المحمولة، الأدب والذاكرة التاريخية وقضية جيني دينز،2004):
"إذ من المهم أن ندرك أننا نتذكر أشياء معينة لا لأنها حقيقة الماضي بالفعل ( مع ملاحظة أنها قد تكون كذلك)، بل لأنها ذات معنى في الحاضر بطريقة أو بأخرى. وبعبارة أخرى، فإن الـ "أصالة" قد لا تكون دائما ذات صلة بديناميات التذكر، وإن أشياء معينة قد نتذكرها لأنها ذات مغزى لأولئك الذين يقومون بالتذكر وليس لأنها حقيقية أو واقعية من منظور المؤرخ"
 واليوم هناك مجموعة متزايدة تقر وتحتفل بـ"المصفوفة" التي شكلها التاريخ، والرواية التاريخية، والأفلام، والذاكرة، والتذكارات، والتراث المادي، وكلها تسهم في الطريقة التي نفكر بها ـ في القرن الواحد والعشرين ـ في أنفسنا من الناحية التاريخية. والهدف من هذا العمل هو فهم السبل التي يمكن للمجتمع أن يشارك بها في الديناميات التذكارية. والتي يمكن وصفها عنئذٍ بـ "ديناميات النصب التذكاري"، أو الذاكرة " الجماعية"، "الشعبية"، "الاجتماعية" أو 'الثقافية"، أو "الوعي التاريخي" أو "الخيالية التاريخية "، ويتجنب هذا العمل إضفاء صفة الرومانسية على التذكار romanticising بوصفها (الرومانسية ) شكلا لا طوعياً للذكريات التاريخية كما أنها دون وسيط من التذكر التاريخي الذي يضمن الأصالة. بدلا من ذلك، فإنني أصوغ الذاكرة العامة أو الثقافية بوصفها مبنية وبحاجة إلى وسيط; علاقتها بالتاريخ " توريطية تشاركية وليس تعارضية أو خلافية.
تزايدت الأدبيات المتعلقة بالذاكرة التي اجترحت من الفلسفة وعلم النفس وغيرها من فروع العلوم الأخرى مما عقد الأمر وزاد تنوعه. ولكن الأهمية الكبرى هي لخطاب الذاكرة في مناقشات التخييل التاريخي، لأن هذا المعنى الأوسع للذاكرة الثقافية يتضمن التاريخ بوصفه وسيلة نفهم من خلالها الماضي، لكنها تبتعد عن السرد التأريخي لتأخذ بعين الاعتبار الدور الذي تؤديه الوسائط الأخرى في تشكيل معتقداتنا عن الماضي.
تبنى تلك الوسائط بما في ذلك الروايات على أهداف وقضايا واهتمامات مختلفة. ويوفر خطاب الذاكرة إطاراً لدراسة علاقة تلك الوسائط بالماضي وتقييم الوسائل التي تُسهم بها في صنع خيالنا التاريخي الذي يقاوم امتيازات الـ "واقعية" التي ليست هدف الممارسات التذكارية في أحسن الأحوال.
وبذلك يمكننا أن نزعم أنه يمكننا فهم التخييل التاريخي ليس بوصفه تاريخاً معطوباً ولكن بوصفه "نصوصاً تذكارية ": تناولات تركيبية للماضي انبثقت من /وساهمت في الممارسات التذكارية المعاصرة. وبالنسبة لبول كونرتون، فإن كائنات الذاكرة تؤدي دور "أعمال النقل"، إذ إنها الوسيلة التي تنتقل بها الذاكرة داخل المجتمع. أو، كما يقول جيمس يونغ، أنها تعمل بوصفها " التاريخ المتلقى " بمعنى أنها تجمع بين دراسة ما حدث، وكيف تم تمرير ذلك الحدث وصولا إلينا". تؤدي النصوص التذكارية كما يقول هيرش وسميث في (النسوية وخطاب الذاكرة،2002)، وظيفة (أعمال الذاكرة ) بمعنى أنها (أفعال الآداء، والتمثيل، والتفسير ). وتبرز صيغة هيرش وسميث للذاكرة إنتاجها في الكائنات التي تنقلها وعبرها.
فالنص الأدبي لا يوصل الذاكرة أو ينقلها ببساطة، ولكنه يشكلها بفاعلية. وبالمثل، ترى ماريتا ستوركن في (ذكريات متشابكة: حرب فيتنام، و الإيدز، وسياسة التذكر،1997) أن " الذاكرة الثقافية تنتج من خلال الأشياء، والصور، والتمثيلات. فهذه هي تقنيات الذاكرة، وليست أوعية الذاكرة التي توجد فيها الذاكرة وجودا سلبيا بوصفها كائنات أو أشياء يجري فيها تقاسم الذكريات وإنتاجها ومنحها معانيَ".
ولكن موضعة التخييل التاريخي بوصفه نصوصا للذكرى ـ من حيث علاقتها بخطاب الذاكرة الذي يشكل إطاراً صارماً يهدف إلى فهم الطرائق المتعددة التي نتذكر بها الماضي ـ يمتلك ميزة تسليط الضوء على الطرائق التي تؤدي بها الممارسات التذكارية عدداً من الوظائف، بما في ذلك اكتشاف الماضي والتواصل معه، وأن نقر بالطرائق التي يوظفها للتأثير في الحاضر؛ ولمراجعة معارفنا عن الماضي في ضوء النظريات والأدلة الجديدة؛ ولتوحيد المجتمع في الحاضر من خلال عرض رؤية عن ماض مشترك، وللترفيه، ولإنتاج سلع تعمل على إحياء الماضي بأساليب أكثر جمالية و غيرها كثير. لا تنحصر الأغراض والآثار المتعددة للممارسات السردية في الفعل، أو الكائن في حد ذاته. بمعنى أن أعمال الذاكرة قد تحقق معانيَ جديدة عند استقبالها أو إعادة المجتمع لنشرها.
وقد أشرت أعلاه إلى أن إحدى مشكلات تناول هتشيون لما وراء القص التاريخي هو أنه يمنح امتيازات لتلك النصوص التي تركز على تركيبية التمثيل، ويجعل أي محاولة لإحياء الماضي عدا التهكم نوستالجياً وموضع شك من الناحية النقدية. هذا التركيز على إنتاج النص، وعلى تمثيله يتجاهل دور القارئ في إنتاج معنى تاريخي.
وفي الواقع فإن التناول ما بعد الحداثي لعمليات صنع المعنى يلغي- تبعا لمايكل بيكرنغ وايميلي كايتلي في (طرائق النوستالجيا،2006)- دور القارئ أو الجمهور، كما لو أن نصوصاً بعينها ترتبط باستجابات حتمية لا مفر منها.
فمثلا يفترض معنى النوستالجيا كما حددته هتشيون أن "المعنى المختزل" في وسائط تمثيل معينة مقبول سلبيا من الجمهور، مما أدى إلى خسارة تحديد معانٍ أخرى في موقع الاستقبال. وهذا يختزل الجمهور إلى ( جمع غير مفكر) يستوعب بسلبية المعاني التي توصلها لهم الوسائط وبالتالي فلا دور له في عمليات صنع المعنى ".
ولكننا عندما نربط التخييل التاريخي بالخيال التاريخي الأوسع وبالممارسات التذكرية فإننا نتمكن من أن نأخذ دور القارئ بعين الاعتبار بطرائق جديدة. وهكذا فإن ممارسات التذكر تتضمن فكرة أن التاريخ يُركب بدلاً من كونه يحكى ويقال كما إنها تبرز تورطنا ومساهمتنا في العملية.
تكتب آن ريني: "وكما يوحي مصطلح" الممارسة "في حد ذاته، فإن نقطة البداية بالنسبة لي هي الطريقة التي نتورط بها بفعالية مع الماضي باستخدام مختلف وسائل الإعلام والأساليب، بدلا من الفكرة المجردة "التاريخ" كما لو أنه كائن الجمال النائم في انتظار قبلة المهنية لإيقاظه. تتضمن فكرتها عن الممارسات التذكارية فكرة أن التاريخ مركب وليس إخبار فحسب، كما أنها تبرز تورطنا ومشاركتنا في هذه العملية. دي غروت، أيضاً، يصف مجموعة واسعة من الممارسات التي تشكل الخيال التاريخي المعاصر، ويجادل ضد السلبية المفترضة لقراء الرواية التاريخية، ويصفهم بأنهم مشاركون، معنيون، وفاعلون، وجزءٌ من، وموظفون، ومتصلون. ويعين لهم دوراً حيوياً في إنتاج المعنى التاريخي. في حين أن التاريخيات تسعى تقليدياً لأن تكون نصوصاً مغلقة لتثبت للقارئ أنه ينبغي تفسير الماضي بطريقة تاريخية محددة، إلا أن الروايات التاريخية عادة ما تكون أكثر انفتاحاً، مستدعية مجموعة متنوعة من الردود والتفسيرات.
وفي حين أن واحداً من الانتقادات المهمة عن ظهور خطاب الذاكرة في أواخر القرن العشرين هو أنه يحاول الالتفاف على مشكلة التدوين التاريخي وإعادة الفتنة الى علاقتنا بالماضي، إلا أن هناك الكثير من العمل في مجال خطاب الذاكرة الذي يبقي أيضاً على مشاعر التجزئة و التحيز، والانطباع بأن تذكر الماضي يمكن أن يبدو مختلفاً، وينتج معاني مختلفة، من منظور آخر. فإنه يحتفظ بالإدراك التقليدي للذاكرة بوصفها مجزأة، غير موضوعية وشخصية. إن ابراز القولي والقصصي والشخصي وغير الموضوعي في خطاب الذاكرة قد يمكن الروائيين من المضي أبعد من استكشاف تاريخ التمثيل الذي نسبته هتشيون لما وراء القص التاريخي، إلى "مصدر قلق واهتمام"، كما يكتب ديل ايفان يانيك في (لا نهاية للتاريخ، 1995) "بالطرائق التي يتقاطع بها الماضي مع الحاضر والطرائق التي يمكن أن يؤثر بها تقاطع الحوادث هذا ويضيء التجربة الإنسانية.
وفي الواقع، فإن المنطق الزمني للنصية يُعيق تجسيد التاريخ بوصفه حاضراً، كما يشير جون فرو في(الزمن وتسليع الثقافة،1997) عندما يجعل منطق النصية شخصية من الذاكرة. يستند هذا المنطق على عدم وجود الماضي، و يترتب على ذلك أن الذاكرة، بدلاً من كونها تكراراً للآثار المادية للماضي، هي تركيبه في ظل الظروف والقيود التي يحددها الحاضر. يتحدى منطق النصية ملكية أيٍّ كان للماضي، سواء كان مؤرخاً أو روائياً، ويقترح، علاوة على ذلك، أنه لا توجد حقيقة واحدة نهائية : إذ " بدلاً من وجود معنى وحقيقة تحدد مرة واحدة وللجميع بوصفها حدثاً بحد ذاتها، فإن معنى الماضي وحقيقته تركب بأثر رجعي وعلى نحو متكرر". لم تُستَرَدّ الذاكرة لأن زمن النصية the time of textuality ليس خطياً، كما أن العلاقة الزمنية من قبيل قبل وبعد، وسبب ونتيجة ليست متضمنه في منطق الأرشيف ولكنه زمن تشكيل التنشيط والتوقع المستمر ". هنا، مرة أخرى، فإن الذاكرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنسيج الحاضر بوصفها الوسيلة التي تصنع الحاضر والماضي و تعيد صنع كل منهما للآخر. واذا ما فهمناها (الذاكرة ) بهذه الطريقة، فإنها تقاوم تحديد أصل مفرد ولكنها بدلا من ذلك تقليد لسلسلة من الشظايا والتكرارات.


تعليقات

المشاركات الشائعة