الحداثة الزائفة: النشوة والقلق والتوحد الصامت.

الحداثة الزائفة: النشوة والقلق والتوحد الصامت.
أماني ابو رحمة.
وفي حين أن ما بعد الحداثة تحبذ التهكم والتلاعب والمعرفة في مقاربتها للمعرفة والتاريخ والمتناقضات، فإن الحالات الثقافية والفكرية التي تميز الحداثة الزائفة النمطية التي نعيشها اليوم بعد تراجع ما بعد الحداثة هي الجهل والتعصب والقلق: بوش، وبلير، وبن لادن، ولوبان وأمثالهم في جانب، والجماهير الأكثر عددا والأقل حولا في الجانب الآخر. وعليه يمكن القول أن الحداثة الزائفة تنتمي إلى عالم تسيطر عليه المواجهة بين شريحة المتعصبين دينيا في الولايات المتحدة واوروبا العلمانية إلى حد كبير، ولكنها من حيث التعريف والواقع مفرطة التدين والتعصب، وشريحة من المتعصبين المهمشين المنتشرين في جميع أنحاء المعمورة: لم تولد الحداثة الزائفة في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولكن ما بعد الحداثة كانت تتكوم على حطام صروحها.
وفي هذا السياق فإن الحداثة الزائفة قد وظفت التكنولوجيا المتطورة بطريقة فانتازية لتتبع خطى البربرية والهمجية في القرون الوسطى. أمثلة مثل تحميل مقاطع فيديو لقطع الرؤوس على شبكة الإنترنت، أو استخدام الهواتف النقالة لتصوير فيلم تعذيب في السجن. أبعد من ذلك، فإن مصير الجميع هو القلق من النهاية: من الإصابة في تبادل إطلاق نار مثلاً. ولكن هذا القلق القهري يمتد إلى ما هو أبعد من الجغرافيا السياسية، إنه يشمل كل جانب من جوانب الحياة المعاصرة: من الخوف العام من التفكك الاجتماعي وفقدان الهوية، إلى القلق العميق بشأن النظام الغذائي والصحة، إلى الخوف من التدميرات المتوقعة من تغير المناخ، إلى الآثار الشخصية للسخافة والعجز، والتي أدت إلى أن تخصص برامج تلفزيونية كاملة حول كيفية تنظيف المنزل، وتنشئة الأطفال و........ الخ. هذا الجهل المغلف بالتكنولوجيا عصري تماما: إن أفراد الحداثة الفائقة يتواصلون مع الجانب الآخر من الكوكب، ولكنهم يحتاجون إلى من يشرح لهم فوائد الخضار ليبقوا أصحاء. هذه المعلومة التي كانت بديهة حتى في العصر البرونزي. وباستطاعة أحدهم أن يخرج برامج للتلفزيون، ولكنه عاجز عن تحضير غذائه بنفسه. انه اندماج الطفولة بالتقدم والعجز بالقوة هذا الذي يميز الفرد في الحداثة الزائفة. وبالطبع فإن هؤلاء الأفراد أصبحوا عاجزين عن التشكيك واستجواب السرديات الكبرى، القضية التي منحت ما بعد الحداثة طابعها الفكري والثقافي.
عالم الحداثة الزائفة عالم يرتعد خوفا، جامح منفلت من كل عقال، يغذي الرغبة بالعودة إلى اللعب الطفولي بالدمى، اللعب الذي بات يميز عالم الثقافة الحداثية الزائفة. أما الحالة العاطفية النموذجية التي حلت محل التهكم المفرط الوعي فهي النشوة: حاله أن تكون غارقا بنشاطاتك. وبدلا من عصاب الحداثة ونرجسية ما بعد الحداثة، فإن الحداثة الزائفة تأخذ العالم بعيداً من خلال خلق لا -مكان جديد ينعدم فيه الوزن ويسوده التوحد الصامت. أنت تنقر، تضرب المفاتيح، تندمج، تغرق، تقرر. أنت النص. لا أحد غيرك، لا مؤلف، ولا مكان ولا زمان. أنت حر. أنت النص والنص باطل.


تعليقات

المشاركات الشائعة