الأدب الرقمي : شبكات التغذية المرتدة المعقدة.

الأدب الرقمي : شبكات التغذية المرتدة المعقدة.
أماني أبو رحمة
بحث أبسين آريست في كتابه (النص السايبيري: وجهات نظر في الأدب الإرجوديكي) العلاقة بين النص والكاتب والقارئ في الأدب الإلكتروني وقدم منظورًا مهمًا عن تغير الأدوار في النص السايبيري واختار النص التشعبي أو نص الهايبرتكست أنموذجا. يرتكز الأدب الرقمي على نظام الترابط. تسمح الروابط للقارئ بالتنقل خلال النص، بطريقة خطية أو شبكية معقدة أو مزيج من كليهما أو دونما وجهة محددة في بعض الأحيان. تمنح تلك الروابط القارئ مزيدا من الخيارات للتحكم ـ وليس السيطرة ـ في النص أكثر مما كان عليه الأمر في النص المطبوع. يقترح آرسيت نظريات مختلفة في العلاقة الجديدة بين القارئ والمؤلف في الفصل المعنون (حكم القارئ). يقول على سبيل المثال” “تعد الوظائف الإضافية لمشاركة المستخدمين تحريرا وتمكينا من قبل البعض ولكن آخرون قد يعدونها قمعية وسلطوية”، ويضيف “إن المؤلف والقارئ يصبحان أكثر وأكثر الشخص نفسه وتصبح التكنولوجيا الرقمية مسئولة “. ويقول أيضًا “إن مستخدم رواية النص التشعبي، على سبيل المثال، الذي يعيد ربط، ويعلق نسخته أو حواشيه على بنية النص التشعبي، ليس على نفس المستوى من الخطاب المتعلق بمبدع الرواية “. وآرسيث نفسه لا يقدم نظريات نهائية حول هذا الموضوع تحديدا، ولكن هذه الاقتباسات قد تشكل أساسا جيدا ومقدمة لتفسير العلاقات الجدلية في النص الجديد. يعطي الكتاب وصفا جيدا لكيفية تغيير ممارسات القراءة مع الأدب الإلكتروني، وتحديدا في الهايبرتكست. يقتبس آرسيث من جورج آندو ادعائه بأن “الهايبرتكست يطمس الحدود بين الكاتب والقارئ”. ويطرح لاندو إحدى الطرق التي يمارس بها الهايبرتكست هذا الطمس فـ “من خلال السماح بمسارات مختلفة من خلال مجموعة من الوثائق، فإنه يجعل القراء، بدلا من الكتاب، يتحكمون بالمواد التي يقرؤونها وبالترتيب الذي يتم قراءتها به. وعندما يمتلك القراء السيطرة على ما يقرؤون (وهذا مستقل عن سلطة بدء أو إيقاف القراءة)،إلى الدرجة التي يمكن بها أن يغيروا معنى النص، فإنهم يصبحون عرضة لمغامرة أن يكونوا مؤلفين لا قراء فحسب. يمكن قراءة نص الهايبرتكست من البدايات والنهايات على طول مسارات عديدة بمعاني مختلفة. فإذا كان المؤلف قد خطط لكل قراءة ممكنة من نصوصه، فإنه يحتفظ بالقدرة على (القبض) على القارئ، والسيطرة على معنى القطعة بأكملها. وإذا كان للقارئ أن يغير النص في أي لحظة لإنشاء ترجمة لم تكن مقررة صراحة من قبل المؤلف، فإن القارئ يتحول إلى مؤلف مشارك. وكلما اكتسب القارئ مزيدا من التحكم، كلما خسر المؤلف. ولكن يجب أن يبقى هذا التحكم منفصلا عن التفسير من الناحية المفاهيمية. فالتحكم هو واجهة التفسير الملموسة. وهو التغيير المادي للنص أثناء القراءة، ولكنه ليس الدراسة الفكرية الموضوعية للنص. وعندما يتعمد المؤلف العشوائية بمعنى أن يفترض أن جزءا من النص سيتغير على يد القارئ بطريقة لا يمكنه التنبؤ بها، فإن ذلك لن يفقده التحكم بالضرورة، ولكنه سيقحم القارئ في نوع من التفكير الحر، الأمر الذي قد يضر بالنص وبجدارته واستحقاقه. إن فرصة وجود أكثر من مؤلف للنص تعني فقد القدرة على تحديد معنى معين. وإذا ما عمل هؤلاء المؤلفين بشكل مستقل عن بعضهم البعض فإن ذلك يعني رؤى متنافسة ومن ثم استحالة التثبت من المعنى الذي قصده المبدع.
وباختصار فإن النص الإلكتروني لا يميز بين المؤلف والقارئ والنص نفسه، ولكنه ينظر إليهم جميعا بوصفهم أجزاء من نظام. وإن استبعاد أيا منهم يعني أن النظام لن يعمل بالكفاية المطلوبة. والصورة الأخيرة التي يرسمها الأدب الإلكتروني هي مجموعة كبيرة من الأفراد يتصرفون بوصفهم قراءً ومؤلفين في شبكات التغذية المرتدة المعقدة.

تعليقات

المشاركات الشائعة