دريدا وما بعد البنيوية.

دريدا وما بعد البنيوية.
أماني أبو رحمة
قدم جاك دريدا لما بعد البنيوية وجة نظر مختلفة بعض الشيء عن فوكو، من خلال مفهومه عن الالحاق أو التكميل supplementarity [ضمن مصطلحات أُخرى مثل الفارماكون والأثر وتحت الممحاة وعلم النحو والانتشار أو التشتيت وغيرها]. يشير الالحاق إلى وسيلة للتفكير في كيفية نشوء المعاني. بمعنى أن المعنى قد نظم من خلال الفرق، في لعبة ديناميكية للحضور والغياب. يتوسع دريدا في المفهوم:
"الالحاق، هو لا شيء، لا حضور ولا غياب، ليس مادة ولا جوهر للرجل [هكذا]. انه بالضبط لعبة أو حضور وغياب، افتتاح هذه العبة الذي لا مفهوم ميتافيزيقي أو وجودي يمكنه فهمه"
دريدا يؤكد أن التركيز على هذه اللعبة مفيد لأنه يكشف أن ما يظهر على انه خارج النظام المعطى هو دائما بالفعل داخله بالكامل. وأن الذي يبدو طبيعي هو تاريخي.
يتضح المفهوم من خلال النقد الذي وجهه دريدا لطريقة ليفي شتراوس الذي يربط الطبيعة والثقافة. في مناقشة ثقافة قبيلة (نامبيكوارا) من هنود البرازيل الحمر، يذكر شتراوس أنه لا يمكنهم الكتابة؛ وانهم يتواصلون من خلال وسيط (الكلام). واذا كان للكتابة أن تدخل في هذا المجتمع، فسيكون ذلك في مرحلة ما بعد الكلام.
 يوظف دريدا مصطلح الكتابة بالمعنى الموسع للإشارة ليس فقط الى نقش العناصر الغرافية graphematic على الصفحة، ولكن أيضا لتشمل عمليات أوسع من التصنيف، والتبويب، والترتيب. وهو بذلك يقول أن ثقافة نامبيكوارا مميزة من خلال استخدام الأسماء المناسبة.
يعطي فنسنت ليتش ملخصا مفيدا للخلافات بين مفهوم ستراوش الضيق عن الكتابة و عمل دريدا الموسع على المصطلح:
"إن وجود الكتابة في ثقافة النامبيكوارا غني عن القول. كل فرد في المجتمع، على سبيل المثال، لديه اسم مناسب. وهذا يعني، ان كل شيئ مميز في نظام التصنيف. شتراوس يعرف هذا، إلا أن مفهومه عن الكتابة المرتكز على الاثنية يعميه عن مثل هذه الكتابة السائدة. إنه ساذج.
يربط دريدا بين المتقابلات الكلام/ الكتابة والطبيعة/ الثقافة. ومن خلال اعتبار أن الكلام هو عملية الحضور الذاتي "الأصلي"، فإن ستراوش يضمه الى محور الطبيعة.
 "الكتابة"، بالمقابل، هي اشتقاق، هي العنصر الثقافي، وبالتالي من الممكن أن تُفرض على حالة كينونة أكثر بدئية وطبيعية (أي الكلام)."
يموضع دريدا موقف ستراوش هذا ضمن النوستالجيا للطبيعة ويرى انه رغبة روسووية (نسبة الى روسو) في مجتمع متحرر من عنف الأنظمة الثقافية مثل الكتابة. ويرى دريدا أن هذا الموقف من أخطر المواقف التي اتخذتها الانثروبولوجيا: فرض فئات تفسيرية اثنية في تحليل يدعي ظاهريا أنه ضد مركزية الاثنية:
"الاثنولوجيا مثل أي علم - يأتي ضمن عنصر من الخطاب ـــــــ وهو في المقام الأول علم أورويي يوظف المفاهيم التقليدية، مهما كان يناضل ضدها. ونتيجة لذلك، سواء كان يرغب بذلك أم لا، وهذا لا يتوقف على قرارة، فإن الاثنولوجي يقبل في خطابه مبادئ النزعة الاثنية في اللحظة نفسها الذي يدعي انه يدينها."
مثل فوكو، يلفت دريدا الانتباه إلى شروط إمكانية التفسير. يرتكز التمييز الذي وضعه شتراوس بين الطبيعة والثقافة على فهم معين لل"الكتابة"، فهم مفعم بالتحيزات التاريخية والثقافية الخاصة.
يدلل دريدا على أن هذه التعارض ينهار. ويؤكد أن مصطلح ستراوش، الكلام، الذي يدعي أنه حاضر، ممكن فقط بفضل علاقته بما لا نراه أي الكتابة. "الكتابة" ليست خارجية بالنسبة لنامبيكاوارا، ولكنها بالكامل في داخل ترتيباتها التصنيفية. توظف فكرة الالحاق لشرح هذه الاعمال بين الداخل والخارج.

ويعرف هذا التحليل في النظرية المعاصرة باسم "التفكيكية"، أي توضيح الأسس الضمنية في معارضة ثنائية معينة. تسعى التفكيكية لتوفير معنى عن كيف أن هذه العلاقات هي شرط ونتيجة التفسير في وقت واحد. اللعبة بين الحضور والغياب هي شرط التفسير، بقدر ما ان كل مصطلح (مفردة) يعتمد على الآخر في صنع معناه. الالحاق أو (القابلية للإضافة ) هي تأثير التفسير بسبب ان المعارضات الثنائية، مثل الكلام والكتابة، تتحقق وتتعزز في كل أفعال صنع المعنى. يشير دريدا الى هذا المأزق المزدوج: نحن دائما ضمن منطق ثنائي، وكلما حاولنا الخروج من سيطرته، لا نفعل شيئا سوى اعادة صياغة الأسس ذاتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة