يورغن هابرماس والأصولية الاسلامية


يورغن هابرماس والأصولية الاسلامية
                                                                    أماني أبو رحمة.

في كتاباته حول أخلاقيات الخطاب، يدعي هابرماس أنه يقدم لنا نموذجا قابلا للتطبيق لحل الصراع في العالم الحديث. هذا العالم، كما يقول، يتميز بنمو العقل الأداتي(العقل المهيمن في المجتمعات الرأسمالية الحديثة الذي فقد فيها العقل دوره كملكة فكرية، وتم تقليصه إلى مجرد أداة لتحقيق أهداف معينة، كما أصبح أداة لتوفير الوسائل) وتفتيت عالم الحياة )" lifeworld "الثقافة" و"المجتمع" و"الشخصية").
يشكل هذا التفتيت تطوراً إيجابياً كلما وضعنا المزيد من المواضيع أمام التداول العقلاني. إلا أنه من المحتمل أن يزيد الشقاق الاجتماعي والعنف. من أجل مواجهة هذه الآثار السلبية، يقترح هابرماس نموذجه لأخلاقيات الخطاب. ويصر على أن أخلاقيات الخطاب، تقدم لنا نموذجا مناسبا لتسوية الصراع لأنها تحل النزاع من خلال العمليات الخطابية للتداولات، حيث سيتم الاستماع إلى جميع المتضررين، وسوف يتشكل تبعا لذلك توافق على الأعراف الاجتماعية التي تنسق الأفعال. ويؤكد أيضا أنه يوفر نموذجا مناسبا لأنه لا يعتمد على مفاهيم سميكة للحياة الجيدة، ولكن على مجرد صفات اجرائية رقيقة من المداولات الخطابية، التي تتضمن التعددية وتحافظ على التنوع متماسكا وسليما.
ومع ذلك، فإن قدرة أخلاقيات الخطاب على دمج التعددية العميقة هي بالضبط ما تستجوبه فيفيان بون في ورقة بعنوان (يورغن هابرماس والاصولية الاسلامية، عن حدود أخلاقيات الخطاب) والتي نشرتها في عدد آب، 2010 من مجلة الأخلاق العالمية، والتي يلخصها هذا المقال.
يقول هابرماس أنه في العصر الحديث، فقدت حقائق الدين المتعالية ووجهات النظر العالمية قبضتها على التكوينات الاجتماعية لأن المزيد من القضايا باتت تخضع للنقاش، مما أدى إلى تكوين اجتماعي ما بعد تقليدي. وهكذا فإن التنسيق الاجتماعي ما عاد يتجدد بالمعايير الاجتماعية المباشرة ولكن بالمبادئ المجردة أو المثل المتفق على صحتها استطراديا. وفي حين أن هذا يمثل تطورا إيجابيا، إلا أن هناك مشكلتين لا زالتا تزعجان الحداثة.
الأولى: هي أن العقل الأداتي للنظام الإداري والاقتصادي قد بدأ في التغلغل في المجال الاجتماعي من عالم الحياة. هابرماس هنا يميز العقل التواصلي (الموجه نحو التوصل إلى التفاهم والتواصل والذي يتموضع في مجال عالم الحياة) عن العقل الأداتي والاستراتيجي (المتموضع في نطاق النظام والموجهة نحو بلوغ هدف معين محدد مسبقا بطريقة محسوبة ووفق المصلحة الذاتية). يقوض استعمار عالم الحياة من قبل العقل الأداتي إمكانيات الترشيد والعقلنة الاجتماعية، لأن الفعل لا يعود موجها نحو الوصول إلى التفاهم ولكن نحو بلوغ هدف أو غرض معين.
والثانية: هي أنه كلما فقدت وجهات النظر العالمية التقليدية قبضتها على التشكيلات الاجتماعية (بسبب عمليات الترشيد والعقلنة)، فإن خطر الفتنة الاجتماعية والصراع والتشرذم يزداد. يمكن  أن يؤدي هذا مرة أخرى إلى تآكل المزيد من علاقاتنا الاجتماعية البينذاتية، مما يؤدى إلى زيادة العزلة والانوميا. ولذا فمن الضروري لهابرماس أن يكون مثل هذا الاختراق المحتمل للعلاقات الاجتماعية غير وارد. إنه يعتقد أن هذه الصراعات لا يمكن حلها من خلال الحركات الارتدادية التي تسعى لأن تعيدنا إلى الوراء، إلى الطرق التقليدية في الحياة.
بدلا من ذلك، ينبغي أن نسعى لإعادة بناء العلاقات الاجتماعية على مستوى أكثر تجريدا من خلال إنشاء استطرادي للمعايير الأخلاقية. وهو يقدم نموذجا رسميا ادراكيا يُتبع علم الواجبات والآداب لخطاب أخلاقي يسمح بانشاء بينذاتي لوجهة نظر أخلاقية محايدة. هذا الحياد أمر حاسم لحل النزاع لأنه يخلق وجهة نظر يمكننا من خلالها الحكم على المسائل وتنسيق الإجراءات الاجتماعية بطريقة لا تعيقها تصوراتنا الخاصة للحياة الطيبة (أو للهوية).
تتمثل الصعوبة في خطاب هابرماس ـــ كما تراها بون ـــ في أن خطابه الأخلاقي قد قدم، ربما، تناولا أخلاقيا فلسفيا مبتكرا، من حيث التنسيق الاجتماعي إلا أنه يفتقر إلى القوة الضرورية والمساءلة المؤسسية. لأنه لن يكون مناسبا إلا بقدر رغبتنا في أن نجلس لتسوية الصراعات الاجتماعية تواصليا. ولا يمكنه أن يفعل شيئا لإقناع أولئك الذين اختاروا العنف لتسوية الخلافات بدلا من الوسائل الخطابية. وبالتالي سيكون غير كاف بوصفه نموذجا لتسوية النزاعات.
لحل هذه المعضلة، يتحول هابرماس إلى القانون. ولكن القانون ذو وجهين : إنه سلطة قسرية عقابية، كما أنه يدعي الشرعية. يؤكد هابرماس أنه مرشح جيد لتسوية الصراع لأنه يشكل تهديدا بفرض عقوبات على أولئك الذين لا يطيعون القانون، كما يمكنه أن ينفذ هذا التهديد المبرر بقدر شرعيته. وعليه، وبمجرد وضع إطار قانوني، فإن الأمر متروك للفرد كي يقرر أي موقف يتخذه حيال القانون. فإما أن يوجه الأفراد أنفسهم نحو مصالحهم الذاتية (الاستراتيجية) أو نحو الوصول إلى تفاهمات حول القواعد.
وتبعاً لذلك، فان خطاب هابرماس الأخلاقي القانوني لديه ما يقوله لأولئك الذين لا يرغبون في تسوية النزاعات تواصليا، أي أنهم سيخضعون للقانون بغض النظر عن أي شيئ آخر.
وقبل أن ندخل في نقاش حول الصعوبات المتعلقة بهذا الطرح، من المهم أن ندرك ان إطار هابرماس يستند إلى مستويين مجردين: النموذج الدائري لصنع القانون الاستطرادي. ويقترح نموذجا للوطنية الدستورية حيث تتشكل تشكيلات الرأي الاستطرادية غير الرسمية في المجال العام في محيط الجهاز السياسي. ثم يتم تصفيتها من خلال التكيف الإجرائي في مركز الجهاز السياسي، حيث تكتسب النفوذ والشرعية لأنها تتطور إلى تشكيلات ارادية مستقبلية willformations.((مصطلح "سوف تكون" يؤكد على طابع العملية والتطبيق العملي المستمر من المواطنين لتأطير مسار عمل جماعي)). هنا، يتم تحويلها إلى السلطة الإدارية التي توجه البرامج القانونية وسياسات الهيئات البرلمانية. ومن ثم فإن نموذج هابرماس يقوم على تداول السلطة التواصلية، التي يصر على أنها تترك التنوع سالما وتسمح "للآخر" أن يظهر غيريته، لأنه ليس هناك مساحة لتحديد حدود ما يمكن التسامح معه من جانب واحد.
المشكلة هنا هي في حقيقة أن الدستور يكون شرعيا فقط عندما يتم تشكيله من خلال الإجراءات الديمقراطية (القانونية) والتي يجب أن تشكل بصورة دستورية قانونية، وهكذا دواليك. مما يجعل طرح هابرماس يعاني من مشكلة التراجع الذي لا نهاية له. يقول هابرماس، من ناحية أخرى، إنه يمكن أن يضع حدا لهذا بالإصرار باعتبار الدستور ممارسة بأثر رجعي. الدستور الذي وجد في لحظة خاصة من الزمن، يمكن فقط أن يكسب شرعيته بأثر رجعي اذا ما قامت الاجيال اللاحقة بتفسير و تفعيل الحقوق الدستورية المنصوص عليها في الوثائق التأسيسية.
وهناك مجموعة متنوعة من المشاكل مع هذا المفهوم. والصعوبة الرئيسية التي تهمنا هنا هي أنه في حين أن الأثر الرجعي لهابرماس هو ربما جهاز نظري ذكي، ولكنه من الناحية العملية، ما زال يعتمد على استعداد مبدئي لتأسيس الدستور في المقام الأول. وهكذا فإنه ينسب ليس فقط للأجيال اللاحقة ولكن أيضا للجيل المؤسس الاستعداد إلى توجيه أنفسهم نحو التفاهم. إذ من أجل أن يكون القانون عقلانيا وشرعيا، فإن عليهم أن يوجهوا أنفسهم نحو المداولات وتحقيق التفاهم، الأمر الذي ترفضه بشدة معارضات هابرماس  للتوجهات نحو المصالح الذاتية.
والمشكلة هي أن هابرماس يقابل بشكل صارخ بين الفعل التواصلي (على أساس التوجه نحو التفهم) والعمل الاستراتيجي (الذي يخلو من أي توجه من هذا القبيل، وبالتالي من المضمون المعياري)، ولذلك فإنه يترك منظر الخطاب يقف عاجزا عندما يواجه أولئك الذين لا يريدون التداول. في الواقع، فإن منظري الخطاب يجب أن يتورطوا في خليط من الإجراءات الاستراتيجية والتواصلية عند إقناع الأطراف للتداول وقد يلوحون بالمصالح الذاتية.وتبعا لذلك، فإن العلاقة بين الفعل التواصلي والعمل الاستراتيجي، من الناحية العملية، هي أكثر غموضا مما يعترف به هابرماس.اذ طالما أن هذين التصورين يستبعد أحدهما الآخر، فإن أخلاقيات الخطاب ليس لديها ما تقوله في تلك الحالات التي تكون فيها قوة القانون، والاستعداد للتوجه نحو التفاهم غائب. صعوبة أخرى هي أن أخلاقيات الخطاب لا يمكنها انشاء استعداد للتداول. وبطبيعة الحال، فإن هابرماس يمكنه أن يطرح لنا فلسفيا لماذا ينبغي أن نتداول: عدم التداول ــــــــ ــيستلزم الوقوع في اللاعقلانية وينطوي على التناقض الأدائي لأننا كائنات تواصلية. ومع ذلك، إذا كان الفاعل بعد كل هذا قد اختار مسارا غير المداولة، فلن يكون لدي منظر الخطاب ما يمكن القيام به لإقناعه بغير ذلك. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الطبيعة التجريدية العالية والرجعية والاستباقية معا لنظرية هابرماس في الترشيد الاجتماعي الذي يرتكز عليه خطابه الأخلاقي. هذا النموذج التعاقبي للترشيد الاجتماعي يميز بين "الديناميات التنموية " و "المنطق التنموي ", حيث تهتم الأولى بالتطورات الملموسة الفعلية للمجتمعات، في حين أن الأخيرة تحدد المنطق الذي يجب ان تتبعه المجتمعات بالضرورة بقدر ما يمكننا الحديث عن التنمية المجتمعية.
أخلاقيات الخطاب وتحدي الأصولية الإسلامية:
هذا هو بالضبط الحل التجريدي وغير الدقيق الذي يقدمه هابرماس عندما يواجه قضية الأصولية الإسلامية في حواره مع بورادوري، 2003. يصور هابرماس الإرهاب العالمي بوصفه ظاهرة حداثية، مرتبطة جوهريا بعمليات  التحديث والاغتراب الناجم عن البؤس الاقتصادي.
"اثناء ما كانت عملية العولمة والتحديث تجوب العالم نشأ انقسام بين الفائزين الاقتصاديين من الغرب والخاسرين الاقتصاديين في الشرق الأوسط".
ونظرا لهذه الخسائر، يرى هابرماس أنه من غير المفاجئ أن يعود الأُصوليون الدينيون إلى المعتقدات ومفاهيم الهوية ما قبل الحداثية، لأن الاغتراب الناجم عن اقتلاع أسلوب حياة يجعل الجهات الفاعلة تتوق لعودة الهويات المشتركة التي تحمل معان في قبل عصر التحديث. ويوضح هابرماس أنه في حين أن عمليات التحديث نفسها منتشرة في جميع أنحاء أوروبا، وأنها قد اقتلعت الهويات القائمة في طريقها، إلا أن النتيجة النهائية كانت مختلفة بشكل ملحوظ. ففي أوروبا تم تعويض عمليات التحديث بالتقدم الهيكلي العام. وهذا لا يمكن أن يقال عن منطقة الشرق الأوسط، حيث "عملية التدمير الانتاجي" لا تحمل وعد التعويض عن ألم تفكك طرق الحياة المتعارف عليها. ولأن الاعتبارات الاقتصادية هي سبب الأصولية الإسلامية، يرى هابرماس أنه ليس من المستغرب أن الإرهابيين قد اختاروا لضرب قلب المؤسسة الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية - برجي مركز التجارة العالمي. الجديد في هذا العمل كانت قوته الرمزية. فالإرهابيين لم يهاجموا فقط الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الذي يعتبر في العالم العربي قوة دافعة للتحديث الرأسمالي، ولكنهم ضربوا أيضا أيقونة مخيلة الأمة الأمريكية ". وفقط " في موجة الوطنية التي تلت يمكن للمرء أن يبدأ في التعرف على الأهمية المركزية للبرجين في المخيلة الشعبية، مع بصمة لا يمكن الاستغناء عنها لأفق مانهاتن وتجسيد القوة الاقتصادية والإسقاط على المستقبل". يحذرنا هابرماس من أن نعتبر هذا بمثابة صراع الحضارات. بدلا من ذلك، هو نتاج أسباب اقتصادية. بينما كانت أهداف 'الإرهاب الجديد " السياسية غير واضحة تماما، وكان الهجوم يحمل "سمات فوضوية لتمرد يقف عاجزا أمام عدو لا يمكن أن يهزم بأي معنى عملي ". وهو يصر على أنه "بقيادتها المنيعة للتنمية وهيمنتها التكنولوجية والاقتصادية والسياسية وتفوقها العسكري، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو بوصفها اهانة لثقتهم بأنفسهم عدا أنها توفر نموذجا للإعجاب سرا في الوقت ذاته ". وأن "الغرب في مجمله كبش فداء للعالم العربي نفسه، تجربة حقيقية جدا من الخسارة، والمعاناة من قبل سكان تمزقت تقاليدهم الثقافية خلال عمليات التحديث المتسارعة "
 وأيضا هناك العديد من المشاكل هنا. الأولى :هي سهولة تقبل هابرماس للتمييز بين الأشكال "الجديدة" و "القديمة" للإرهاب. فمنذ الحادي عشر من سبتمبر، اكتسب هذا التمييز شعبية متزايدة بين العلماء كما بين الصحفيين الإخبارين والسياسيين على حد سواء.
ومع ذلك، يبدو أن هذا التمييز المفاهيمي يحجب أكثر مما يوضح. هناك، في الواقع، تداخلا كبيرا بين الأشكال "الجديدة" والأشكال "القديمة" للإرهاب أكثر مما يحملنا هذا التمييز على الاعتقاد. ولتأكيد ذلك فان الزعم بأن أهداف الإرهاب الجديد ليست واضحة كان من أجل حجب حقيقة أن أسامة بن لادن كانت له أهدافا صريحة مثل منظمة ايتا الانفصالية أو الجيش الجمهوري الايرلندي، وهي أنه يسعى لرحيل القوات الأمريكية من المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان الإسلامية، واقامة الخلافة. كما انها تحجب أيضا حقيقة أن الأشكال "القديمة" من الإرهاب قد تكون غامضة في مطالبها. على سبيل المثال، أهداف الجيش الجمهوري الايرلندي الحقيقي ليست واضحة تماما هذه الأيام، كذلك مطالبات اللواء الأحمر الإيطالي. والنقطة الأساسية هنا هي أن التمييز بين الارهاب "الجديد" والإرهاب "القديم" يحجب أكثر من ما يفسر.
ولكن أيضا: فمن غير المتوقع شرح الأصولية من خلال الإشارة إلى أسباب اقتصادية، والواقع أن هابرماس هنا يعيدنا إلى الوراء، إلى أغلظ أشكال الماركسية.
وعلاوة على ذلك، فشل هابرماس في التعامل مع إرث الاستعمار في الشرق الأوسط، وهو إرث لا يحمل مجرد تبعات اقتصادية، ولكن أيضا اجتماعية وسياسية وثقافية شديدة. وبأخذ هذا السياق المعقد للاستعمار في الإعتبار، فإن الإدعاء بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي نموذج الاعجاب السري يعد غريبا نوعا ما، إن لم يكن مثيرا للسخرية بصراحة. أنه تأكيد لم يفشل فقط في التعامل مع فئات مختلفة من الفكر الاسلامي، ولكن أيضا لديه نفحة من التفوق الغربي المقيت.
ومن المفارقات، أن هذا الشعور بالتفوق هو ما تتحداه الاصولية الاسلامية لأنها تُصدر نقد ما بعد الكولونيالية المتأسلم للحداثة والعقل الغربي، التي تتجسد قيمها في النموذج الأمريكي. فبدلا من الإعجاب سرا بالنموذج الأمريكي، ينظر الاصوليون إليه بوصفه نذير علل العالم الحديث ــــــ وبشكل أكثر تحديدا في منطقة الشرق الأوسط.
يبدو أن حجة هابرماس التي تقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية توفر نموذجا سريا للاعجاب تتعلق بنموذجه النظري اكثر من واقع الأصولية الإسلامية. لأن الصادم حول تعليقاته هنا هو في حين أنه  يصر على أن الأسباب الاقتصادية هي سبب الأصولية الإسلامية، لا يعلق على أوجه القصور الهيكلية للرأسمالية. بدلا من ذلك، يبدو أنه قد قبل عمل السوق الرأسمالي ويقول أنه يحتاج فقط إلى ان يدعم بشبكة شاملة وعادلة من قنوات التواصل (تكون متاحة للجميع على قدم المساواة).
هذا النقص في نقد النظام الاقتصادي السائد لديه، بالتالي، ما يفعله مع تمييز هابرماس الخاص بين عالم الحياة والنظام الذي لا يفرغ من العلاقات الاجتماعية، ولكنه ينتهي أيضا إلى افتراض النظام الرأسمالي بوصفه مكونا ضروريا للتحديث. كل ما هو مطلوب هو التعديلات التواصلية المناسبة، والتي سوف تصحح التحديث الأحادي البعد للنظام.
وبالمثل، في حين أن المظالم الاقتصادية هي في صميم الأصولية الإسلامية، الا أن هابرماس يفسر الأصولية الإسلامية باعتبارها مشكلة التواصل المشوه. فهو يفسر أن الصراعات تنشأ "من تشويه في الاتصالات، من سوء الفهم وعدم الفهم، من النفاق والخداع ". وهكذا، "تبدأ دوامة العنف بوصفها دوامة من التواصل المشوه الذي يؤدي من خلال دوامة عدم الثقة المتبادلة غير المنضبطة، إلى انقطاع التواصل ". في القضية المطروحة، يقف الشرق الأوسط على قاعدة غير متكافئة مع الغرب بوصفه شريكا تواصليا. لجعل الأمور أكثر سوءا، فإن كلا من الأصوليين الإسلاميين وادارة بوش مهتمون فقط بالعمل الاستراتيجي: الأصوليون مهتمون بالنجاح الاستراتيجي لعملهم، في حين تعمل إدارة بوش من جانب واحد لصالح منافعها الذاتية (بدلا من تحقيق العمل المتعدد الأطراف تواصليا ). والنتيجة هي انهيار تام للاتصالات، ونقطة انطلاق لجميع أشكال العنف.
 "وإذا كان العنف.. . يبدأ بتشويه في مجال الاتصالات، بعد أن اندلعت فمن الممكن أن تعرف ما قد حصل من خطأ وما يحتاج إلى إصلاح ". وعليه، يقترح هابرماس تعزيز العلاقات التواصلية والقانونية على المستوى الدولي، من خلال تعزيز للأمم المتحدة.
ومع ذلك لا تزال توصياته مجردة: أنها لا تناقش تعقيدات مؤسسات الأمم المتحدة ولا توفر تفاصيل حول كيفية تحقيق هذه الإصلاحات. بدلا من ذلك، فهو يصر على أننا يجب أن لا نتخلى عن محاولة إصلاح التواصل وتعزيز المؤسسات الدولية. وببساطة ليس هناك بديل: طالما أن الغرب يتورط في العمل الاستراتيجي ويبشر بلغة حقوق الإنسان العالمية لفتح الأسواق وطالما أن الشرق الإسلامي يتستر على الأنظمة الاستبدادية، فإننا لن نقترب من التوصل إلى حل سلمي. بالنسبة لهابرماس، ليس لدينا أي خيار آخر سوى أن نختار العمليات التواصلية. ولكن هل هذا صحيح؟ يبدو أن المشكلة هنا أن عدم وجود خيار في الواقع لا يكون قائما طالما أننا نشارك بالفعل رغبة هابرماس في إقامة نظام كوزموبوليتاني عالمي. ولا شيئ يمكنه إجبار الجهات الفاعلة لبدء التداول إذا لم يكن لها بالفعل حصة من هذه الرغبة في التداول. إن هابرماس، بطبيعة الحال، سيقول لنا هذا بالضبط: إنشاء مزيد من المؤسسات الدولية التي من شأنها خلق الإطار اللازم الذي سوف يجبر الجهات الفاعلة على التداول. ما يراه هنا هو حقيقة أن إنشاء مثل هذا الإطار المؤسسي يعتمد في حد ذاته على اللحظة الاستطرادية للاستعداد لتسوية النزاعات تداوليا. والنقطة هنا هي أن اقتراحات هابرماس المعممة لبناء قنوات تواصل أكثر، بجانب فكرة أننا لا يمكن أن نخلق لحظة الاستعداد للتداول، تظهر أن هذه القنوات لا يمكن أن تنشأ عمليا فحسب، بل وأنها لن تستخدم أيضا.
المرة النادرة التي اعترف فيها هابرماس بتحديات الأصولية هو ملاحظته أن الأصولية تتعارض مع الديمقراطية الدستورية. ففي حين أن الأصوليات ليست وحدها من يدعي اليقين المطلق فيما يتعلق بنظرتهم للعالم، "إلا أنها تتميز في أنها لا تترك مجالا للتفكير في علاقتها مع وجهات النظر العالمية الأُخرى التي تشترك معها في عالم الخطاب ذاته وتنافسها على صلاحية ادعاءاتها على أساس العقل. إنهم لم يتركوا مجالا للخلاف العقلاني".
ويوضح أن هذا التفكير ضروري لمناقشة متحضرة حيث تشارك الأطراف في البحث المشترك عن الحقيقة وامكانية أن تحدث. ولكن لسوء الحظ، فإنه يتركها عند هذا الحد. لم يفكر خطوة إلى الأمام فيما من شأنه أن يخلق الرغبة في الحوار في المقام الأول، وما الذي يمكن أن تفعله اخلاقيات الخطاب لتوليد مثل هذا الاستعداد عندما يكون غائبا.
تقترح فيفيان بون ما ترى أنه حل توفيقي فتقول" إنه من أجل التغلب على هذه المشاكل لا يجب على هابرماس أن يتنازل عن طرحة التجريدي للغاية في الترشيد الاجتماعي لصالح نموذج تجريبي أكثر دقة، ولكن أيضا التخلي عن التمييز الحاد بين الفعل التواصلي والفعل الاستراتيجي. ومن أجل الوصول بالصراعات إلى نهاية مرضية، وجلب الناس إلى طاولة المفاوضات، فإن الإجراءات الاستراتيجية ومناشدة المصالح ذاتية يجب أن تتم أثناء الانخراط في المداولات الاستطرادية. ويكمن الخطر في أن هذا التمييز بين الفعل الاستراتيجي والتواصلي يترك منظر الخطاب خالي الوفاض عندما يواجه بعدم الرغبة في التداول. وفي الواقع، فإن الخط الفاصل بين العمل الاستراتيجي والتواصلي ليس واضحا وبمجرد أن ندرك ذلك، فإننا قد نسلم بأن العمل الاستراتيجي قد يكون في الواقع عنصرا ضروريا من أجل تسهيل الفعل التواصلي - وخاصة بين أولئك الذين لا يريدون التداول. وفقط عندما نتمكن من مناشدة خليط من الفعل التواصلي والاستراتيجي، يمكن للخطاب الأخلاقي أن يوفر نموذجا واقعيا ومناسبا لحل النزاعات."


تعليقات

المشاركات الشائعة