فاشية ما بعد الحداثة(4/4)

 فاشية ما بعد الحداثة(4/4)
أماني أبو رحمة.
وعلى الرغم من تبني كلا من الفاشية الجديدة واتجاه المحافظين سياسات ديمقراطية زائفة وإيديولوجيات شعبوية استبدادية إلا أن الفاشية الجديدة ـ التي تعد ضمن الطيف الديمقراطي ـ تذهب أبعد من سياسات المحافظين في جوانب عدة.
ففي حين تبطن الفاشية الجديدة مناهضة الديمقراطية إلا أنها تظهر بوصفها أحزاب ثورية على عكس أحزاب المحافظين في ما بعد الحداثة التي تظهر تأيدها للديمقراطية وتخفي ثوريتها. إن ما يميز اليمين المتطرف عن غيره من الأحزاب السياسية في المنافسات الديمقراطية هو اعتناقه موقفا صريحا جذريا لصالح المواطنين (ضد المهجرين أو المقيمين) يتجسد في مفهومه عن التعددية العرقية والحماية الثقافية، استنادا إلى فكرة أن الثقافات والأعراق غير قابلة للامتزاج. والنتيجة بالطبع هي الشعبوية الإقصائية. الموقف الأساسي هنا هو المواطنة التقييدية على أساس الفرضية التي تقول بأن الديمقراطية الحقيقية تتطلب مجتمعا متجانسا، بحيث أن الوافدين لا ينبغي أن يحصلوا على المواطنة أو المزايا الاجتماعية. تناقض الشعبوية عادة السلطة النخبوية القائمة والقيم السائدة، وبالتالي فإنها تنادي بإصلاح جذري للمؤسسات السياسية بهدف زيادة المشاركة الشعبية. تدغدغ الشعبوية الإقصائية عقد الدونية والعجز الذاتي المصحوب بعدم تقبل الضعف الموضوعي والذي يراكم شعورا دائماً بالمهانة والظلم والحقد الموجه والإرادة الانتقامية (Ressentiment)(1) والنتيجة هي النظرة السلبية للاختلاف. تواكب هذه الحالة برامج الإصلاح والتجديد الوطني التي يفترض أن تؤدي إلى الإطاحة بالطبقة الحاكمة والنخب الفكرية. تواجه الفاشية الجديدة شأنها شأن المحافظين صدوعا وتناقضات داخلية على مستوى القيادة والقاعدة وبين القيادة والقاعدة. فمثلا تعد مسألة القومية الاقتصادية مسألة شائكة فعلى الرغم من أن معظم الأحزاب الأوروبية اليمينية تتبني الليبرالية الجديدة الأمر الذي يضعها في صراع مع برنامجها التعبوي القائم على أساس الامتعاضات الاقتصادية وسياسات الأفضلية الوطنية. فمثلا يعرف حزب الشعب الألماني نفسه بوصفه" قوة وطنية ثورية معادية للرأسمالية تحارب من أجل نظام اجتماعي جديد" (2). وهذا يعني انه حزب فاشي يقوم على العدائية للتعددية الثقافية وينافح عن التحديد العنصري للمواطنة. كما ندد هورست ماهلر القيادي البارز في الحزب القومي الديمقراطي اليميني بالعولمة بوصفها أعلى مرحلة من مراحل الامبريالية ودعا إلى إحياء الأمة الألمانية. واليوم، فإن أحزاب اليمين المتطرف هي آخر التشكيلات الجماعية التي تحتفظ بمطالب الأحزاب الشيوعية والاشتراكية، للتنديد بالعولمة والبطالة.
 ترتكز كل مجالات عمل الأحزاب اليمينية المتطرفة على مشروع ثقافي غير ظاهر ـ ولكنه حاسم ـ يربط بين الأفضلية الوطنية والسياسات الشعبوية من جهة، و(التجديد الوطني) من جهة أخرى. إنها المقاومة البيضاء التي كان منشؤها التقاليد الأمريكية التي تزعم تفوق البيض والقومية العنصرية، وفكرة أن بقاء الجنس الأبيض والحضارة الغربية مهدد بـ(الإبادة المنظمة للعرق الأوروبي). وهذا يحدث عن طريق الإجهاض والهجرة والتزاوج. يشعر أنصار اليمين المتطرف بمزيد من الاغتراب نحو أداء النظام والمؤسسات الديمقراطية. وهذه هي (فرضية عدم الرضا السياسي) التي تجعل من نقد المؤسسات الديمقراطية القائمة يعادل الدعوة إلى الأفضلية الوطنية. وتتعزز المشاعر المعادية للنخب بالتشكيك في الأحزاب وبرامجها، ويستفيد اليمين المتطرف من تناغم أنصاره ومجتمعاته المحلية، ويتميز ببغضه للانقسامات الاجتماعية والتعددية السياسية.
يهاجم الفاشيون الجدد التعددية والمساواة بين البشر والمنافسة السياسية وتسوية الصراعات. يقول أغنازي" أن الثقافة السياسية الكلية والواحدية لليمين المتطرف معادية للنظام"(3). ويرى أيضا أن"خيارات معادة النظام الراديكالية تمثلت في الاستبدادية المعادية لليبرالية وفي الواحدية المعادية للتعددية وفي كراهية الأجانب المعادية للمساواة بين البشر" (4). وكانت نتيجتها المتوقعة دعم أحزاب اليمين المتطرف الذي يتمتع اليوم بجاذبية خاصة لأنه يسمح بأقصى تعبير ممكن عن مشاعر الإحباط وعدم الارتباط والاغتراب عن النظام, ويمنح أنصاره عالما خاصا بعيداً عن السياسة السائدة. والأكثر جاذبية هو منظور التكامل الجديد في مجتمع متجانس دينيا واثنيا، وفي مجتمع كلي أحادي على المستوى الوطني وما دون الوطني يرتبط بعلاقة اجتماعية قوية وهرمية داخل حدود مجتمع قومي ويحلو للفاشيين الجدد توظيف مصطلح Volkische community))لوصف المجتمع الذي يحلمون به. وكلمة Volkische التي تعد التفسير الألماني للشعبوية مع تركيز رومانتيكي على الفولكلور والعضوانية وتعني تحديدا العرق، وتحمل حسب المؤرخ جيمس ويب نغمة الأمة والعرق والقبيلة (5). وعلى نطاق ضيق يمكن توظيف الكلمة لتعيين الجماعات التي تنظر إلى الصلات البشرية عن أساس الدم فحسب.
هوامش:
  1. في كتابة التحديث وما بعد التحديث يرى الباحث البريطاني رونالد انكلهارت أن مرحلة ما بعد التحديث قد تطورت خلال الخمس والعشرون سنة الماضية. وهي مسار جديدا يركز على تحقيق مكاسب اقتصادية بقدر تركيزه على صياغة منظومة من القيم الجديدة، مثل تعظيم رفاهية الفرد. كان هذا التغيير ممكنا بفضل أن الحاجة للأمن والاستقرار الاقتصادي قد حققتهما مرحلة التحديث والتصنيع فأصبح الهدف الرئيسي لما بعد التحديث هو الابتعاد عن الدين والدولة معا والانصراف إلى الفرد مع زيادة التركيز على الاهتمامات الفردية مثل الصداقة والترفيه ونوعية الحياة وأهمية التعبير عن الذات بالنسبة للفرد.
  2. Resentment: الحقد والإرادة الانتقامية في الفلسفة وعلم النفس هي نوع خاص من الضغينة والعدائية الموجه نحو من يعتقد المرء انه سبب إحباطه وهزيمته. إن الإحساس بالضعف والدونية وربما الغيرة ممن يعتقد أنه السبب، يولد نظام قيم أو أخلاق تعتمد الرفض/التبرير تهاجم أو تتجاهل المصدر المدرك للإحباط وبهذه الطريقة يخلق الأنا عدوا ليحرر نفسه من المسئولية. وظف المصطلح من قبل الفيلسوف الألماني ماكس شيلر في كتابه ((Resentment الذي نشر في عام 1912، ومنع من التداول لاحقا على أيدي النازيين. و حاليا يوظف المصطلح على نطاق واسع في علم النفس والوجودية، وينظر إليه على أنه قوة فعالة لإنشاء الهويات، والأطر الأخلاقية، ونظم القيم.
  3. ينظر: Geoff, Boucher. Postmodern Neofascism: Contemporary Rightwing Extremism in the Metropolitan Countries. February 2006:
http://ethicalpolitics. org/seminars/neo-fascism. Htm                
  1. : Piero Ignazi, Extreme Right Parties in Western Europe, Oxford and New           York: Oxford University Press, 2003:155                 
  2. المصدر السابق.
  3. تعريف الويكيبيديا الانجليزية لمصطلح (Volkische) والملاحظة لبيرو أغنازي في المصدر السابق.



تعليقات

المشاركات الشائعة