العودة إلى الدين من منظور التفكيكية .

العودىة إلى الدين من منظور التفكيكية .
أماني أبو رحمة.
يشير دريدا في دراسته (الإيمان والمعرفة، مصدران للدين في حدود مجرد العقل) في كتاب (آداءات الدين،2002 ) الذي حرره وقدم له جيل أنيجار،إلى تلك الحركة التاريخية الموسومة"ما بعد الحداثة" بمصطلح التحول الكوني الى اللاتينية "globalatinization"(1)، و"الحرب الدينية" الجديدة.
حقل هذه الحرب أو هذه التهدئة هو من الآن فصاعدا بلا حدود: جميع الأديان، ومراكز سلطتها وثقافاتها الدينية ودولها وأممها أو جماعاتها العرقية التي تمثلها، لديها فرص غير متكافئة، ولكن بالتأكيد، وفي كثير من الأحيان هناك واحدة على الأقل آنية، وربما من دون حدود، إلى الأسواق العالمية ذاتها.
يختبر دريدا التاريخ الفلسفي للتمييز بين العقل والدين ثم يضع نظرية الأصل المشترك، الرابط الأئتماني الموثوق fiduciary link"" "الذي يسبق كل مجتمع محدد، وكل دين ايجابي، وكل أفق انثروثيولوجي "onto-anthropo-theological. هذا الرابط (الجذر  ligio)  في كلمة religion هو فعل  الإيمان المطلوب لتجاوز الذات من أجل الوصول إلى الآخر المطلق. وهكذا فإن الدين وما يسميه دريدا "العقل الناقد والعلمي التكنولوجي الذي يعمل عن بعد tele-technoscience reason " ينبعان من مصدر واحد، حتى وإن اتخذا وضعين متقابلين، فإنهما يتكئان كلا منهما على الآخر، وينتشران معا (متقابلين), وهي العملية التي أطلق عليها دريدا "التحول الكوني الى اللاتينية ".
وكما هو الحال في روما القديمة، تعمل فكرة "الدين" باعتبارها الدال الكلي لـ"إعادة ربط" (re-ligio ) خصوصيات  الإيمان والإخلاص الوفيرة  والمبعثرة مع الخصائص الخاصة الأصيلة، أو "الإقليمية"، في أيديولوجية كبرى من "الوحدة في التنوع"، حيث مبدأ التكامل هو تقسيم عبادة الامبرطور السياسية."
وإذا كان مصطلح "ما بعد الحداثة" يعني في الأصل، كما بالنسبة لتشارلز جينكس، الانتقائية البرية والتهجين في الطرز المعمارية، فإنه يدل الآن على توفيقية ــــ يحركها السوق على نطاق عالمي ــــ من الصور الزائفة simulacra الدينية التي طالما جردت من محتواها ومن تضميناتها الأصلية "المدنية". ولكن ما هي الوكالة التي تعيد ربط "rebinds" الصور الزائفة للآلهة في عالمنا اليوم ، عالم روما الجديدة، في االعقلانية الفنية والعلمية لامبريالية ما بعد التنوير التي يعود فيها الدين بقوة ؟ وفقا لدريدا، " يتحالف الدين نفسه اليوم  مع  العقل التلي تكنوعلمي الذي يهاجمه بكل طاقته. من ناحية هو عولمة، إنه ينتج ويزاوج ويستغل رأسمالية ومعرفية التغطية الاعلامية للأحداث mediatization،  لا الرحلات والاستعراضات العالمية للبابا ولا تدويل قضية "سلمان رشدي"، والإرهاب الكوكبي سيكون ممكنا دون ذلك، على هذا المنوال يمكننا مضاعفة تلك المؤشرات إلى ما لا نهاية ". ولكن في الوقت نفسه يعلن الدين "الحرب ضد ما يمنحه هذه السلطة الجديدة فقط على حساب الإطاحة به من جميع أماكنه الصحيحة، في الحقيقة، من المكان نفسه، من مكان حدوث حقيقته. إنه يشن حربا شعواء ضد من يحميه فقط لأنه يشكل  تهديدا بالنسبة له، وتبعا لذلك يتكون التركيب المزدوج والمتناقض : المناعة والمناعة الذاتية.
يحمي التفاعل المناعي  immunitary reaction "أجهزة"  الجسم السليم من خلال إنتاج الأجسام المضادة ضد المستضدات الدخيلة . في المناعة  الذاتية auto-immunity والتي تهمنا بشكل خاص هنا، يحمي الكائن الحي، وكما هو معروف وباختصار، نفسه ضد حمايته الذاتية من خلال تدمير نظام  المناعة الخاصة به. وحين تمتد ظاهرة هذه الأجسام المضادة إلى منطقة أوسع من المرض  يلجأ المرء  بشكل متزايد إلى المزايا الإيجابية لمثبطات المناعة الموجهة للحد من آليات الرفض وتسهيل تقبل بعض عمليات زرع الأعضاء،. ,هكذا يصبح  من المسموح  لنا أن  نتحدث  عن نوع من المنطق العام في  المناعة الذاتية . ويبدو أنه لا غنى  لنا اليوم  عن التفكير في العلاقات بين الإيمان والمعرفة، والدين والعلم، فضلا عن ازدواجية المصادر بشكل عام. 
العلاقة بين هاتين الحركتين أو (المناعة والمناعة الذاتية) حتمية مما يعني أنها ميكانيكية تلقائية بين ما يتخذ شكل الآلة ( الميكنة، الأتمتة..)، والأخر، عفوية الحياة، والممتلكات المنزهة للحياة، أي الآخر الذي (يزعم) تقرير المصير. 
 ولكن  المناعة الذاتية تطارد المجتمع ونظامه من المناعة التي تبقيه على قيد الحياة. لا شيء مشترك، لاشيء محصن، لا شيء آمن، أو محرم أو مقدس أو منزه في الحاضر المعيشي المستقل دون خطر المناعة الذاتية".
حرب الدين الجديدة اليوم هي بين القوى التنويرية للعولمة والتغطية الإعلامية للأحداث telemediatization  من جهة، وقوى  (ردة فعل أو تفاعلية ) الإيمان  المتفردة والتي تعتبر نفسها مكان  الحقيقة الخاص " 
الحرب الدينية الجديدة عبارة عن صراع عميق بين " الإيمان" و "العقل" ولكن ليس بالمعنى التقليدي للكلمة على الإطلاق. ففي حين كان الصراع  بالمعنى الكلاسيكي بين الصياغة الفقهية للبديهيات الدينية والوحي ؛ الصراع الذي لا يمكن تسويته بالخبرة الفلسفية أو "العادية"،  فإن المعركة الجديدة بين العقلانية التقنية لـ "آلة الحرب" (عبارة دولوز) والتي تنزع حدود "deterritorializes" كل دلالات  الإيمان في خدمة مملكة الاستهلاك العالمي وعنف (ردة فعل وتفاعلية) الإيمان. يدافع  الإيمان عن وضعه الخاص ضد تعديات  هذه المملكة بأن يقاتل من أجل نقاء وقدسية لغته وسلطته وهي العملية التي بات يطلق عليها "الأصولية".
وعندما تقع هذه الأصوليات، التي قاومت التعدي ــ في بعض الأحيان لأجيال ـــ من خلال ابتكار جيوب العقيدة والممارسة التي كتب عليها "الرجاء عدم الازعاج" ــــ فجأة تحت الضغط المستمر والمتصاعد للتحول الكوني الى اللاتينية "globalatinzation،" فإنها تتحول الى متشددة وعدوانية. وقد أثبت هذا النوع من "التفاعلية" نجاعته بشكل خاص في تحويل الاسلام إلى الأصولية "fundamentalization"، بقدر ما أن الإسلام تاريخيا، وبشكل أبعد بكثير من الكنيسة ومثلها الأعلى " العالم المسيحي"، يقابل كل "الإمبراطوريات" بمملكته المعارضة  "دار الإسلام".
على الرغم من أن دريدا تجنب ذكر مصطلح الأصولية ، إلا أنه في الحقيقة يصف الظاهرة بشكل دقيق:" التدين الغريب ملزم بمناصرة الإنعطافة الرجعية إلى البدئي والقديم، إلى الظلامية الدغمائية واليقظة الإنتقادية معا . الآلات التي يحاربها من خلال السعي للاستيلاء عليها هي أيضا آلات تدمير التقاليد التاريخية، ويمكن أن تحل محل الهياكل التقليدية للمواطنة القومية.  إنها تميل إلى طمس كل من حدود الدولة والخصائص المميزة للغات". إنها "عالمية "في انتشارها الكوني والمناهض للتاريح  بدون أي ميل "لاتيني " للاستيعاب والدمج.  بدلا من ذلك فقد  أصبحت  "آلات الحرب"  مناقضة لنفسها، ضاربة عرض الحائط بكل الإرث التاريخي والتعدد الثقافي.
1- globalatinization ". تشير هذه اللفظة الجديدة، من بين أمور أخرى، إلى عملية تعميم كوني معين للكلمة أو المفهوم الروماني(دين religion)، والذي يميل إلى أن يصبح مهيمنا، فضلا عن الأدائية القابلة للإدراك في وسائل الإعلام الجديدة وفي الهياكل المعاصرة للشهادة والاعتراف. الأمثلة على ذلك تشمل، ليس فقط ظاهرة توظيف التلفزة لنشر المسيحية televangelism ولا الإخراج التلفزيوني لرحلات البابا، وليس فقطط التصوير والعرض الذاتي للإسلام، ولكن أيضا تصنيم fetishization وتحويل التلفزيون والوسائط المتعددةة  الى مطلق على هذا النحو.




تعليقات

المشاركات الشائعة