النسوية ما بعد البنيوية

النسوية ما بعد البنيوية . 
أماني أبو رحمة

تتشارك ما بعد البنيوية والنسوية الاعتراضات على الادعاءات العلمية التي تزعم تحقيق الذات الفاعلة الحرة المستقلة العقلانية، والحقيقة. كما أنهما (النسوية وما بعد البنيوية) تهتمان بعلاقات السلطة المتضمنة في انتاج المعرفة, وخصوصا انتاج معرفة خاصة عن (المراة) من منظور بطريركي ثم اضفاء طابع العلمية والحقيقة والكونية عليها. غير أن ما بعد البنيوية تمشكل أيضا بعض جوانب النظرية والتطبيقية النسوية من خلال رفض فكرة وجود خبرة أنثوية طبيعية أو جوهرية. ما بعد البنيوية النسوية، هي المنظور الذي يبقي التركيز على ذاتية المرأة وخبرتها مع مراعاة زعزعة فئة (المراة ) كما كل الفئات في التنظير ما بعد البنيوي. وفي حين تسعى ما بعد البنيوية عموما إلى زعزعة استقرار وتفكيك فئات الحقيقة والمزاعم بالكونية والكلية، تهتم النسوية ما بعد البنيوية على وجه التحديد بنقد استقرار فئة "المرأة" المزعوم لصالح التأكيد على طبيعتها الطارئة وعدم تجانس هذه الفئة، وترابطها مع الخطابات الأخرى المكونة للهوية والذاتية مثل العرق والطبقة.  
تركز ما بعدالبنيوية النسوية، من ثم، على انتقاد مركزية فئة الإختلاف الجنسي بالنسبة للإختلافات الأخرى، على إعتبار أن ليس هناك (إختلاف واحد) بل (اختلافات عديدة ومتقاطعة)  تفقد أهميتها  إذا ما جمعت مع بعضها البعض. الفكرة إذا هي مضاعفة الإختلافات والتقاطعات الجندرية.
 يهدف  هذا الربط  بين فئات الجنس، والعرق، والإثنية، والطبقة،  ....الخ، إلى تسليط الضوء على الحاجة لوضعها على قدم المساواة وتجنب الإمتيازات التي تنتج القهر الفردي والمؤسساتي الذي لا مبرر له، وبالتالي عدم المساواة. فالعرق والحالة والوضع الاجتماعي والجندر لا ينبغي أن تكون سببا لمعاملة الأفراد بشكل مختلف: يعتبر كل تمايز تمييز. بهذا المعنى، تلغي "الاختلافات " "الاختلاف" المفهوم بوصفه فئة تمييزية، كما أن تضاعف الاختلافات يهدف إلى صرف الأنظار عن مركزية الإختلاف، الذي يعد سبب عدم المساواة.
يسطح أي مفهوم واحدي متجانس للمرأة الخبرات الحية المتنوعة داخل تلك الفئة، وبالتالي أيضا يهمش تلك القضايا والخبرات التي تظهر في تمفصل وتقاطع الجندر مع الفئات الأخرى (المبنية خطابيا) مثل العرق والطبقة والاثنية والدين والوضع الاجتماعي والاقتصادي والتوجهات الجنسية والإعاقات الجسدية او العقلية وغيرها.
تندرج تنظيرات بل هوكس في هذا الإتجاه أيضا. فهي تعتقد أننا لا نستطيع التحدث عن الجندر دون الرجوع، بالإضافة إلى الإختلاف الجنسي، إلى اختلاف العرق والطبقة. وهدفها هو فضح التمييز على أساس الجنسsexism المتداخل مع العنصرية والطبقية، مدافعة عن الحق في الإختلاف ولكن أيضا عدم الإقصاء والظلم الاجتماعي. وترى هوكس أن البيان النسوي "جميع النساء مضطهدات " يخفي امتيازات ونرجسية المرأة البيضاء المحافظة من الطبقة الوسطى، وبعضهن ربما، لم يعشن تجربة أصيلة من القهر والمعاناة. ومن وجهة نظرها فإن العلاقات الهرمية للسلطة على أساس العرق والطبقة هي أكثر قمعية من التسلسل الهرمي الجندري. بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء السود على وجه التحديد اللواتي اختبرن العبودية والعنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يوفرن رؤية يمكن البناء عليها لصياغة سياسات نسوية أصيلة. ولا تستجوب هوكس صحة القهر / المعاناة للنسويات البيض فقط، ولكن أيضا صحة سياساتهن، منتقدة النسوية الليبرالية والنسوية الراديكالية التي تتحدث عن روابط مشتركة بين النساء، معتبرة انها غير كافية من الناحية النظرية والعملية. وبهذا المعنى، يمكن للمرأة السوداء أن تتقاسم مع بعض الرجال السود اضطهاد العرق والطبقة، ولكن ليس الجندر. يميل التركيز على قضية العرق والطبقة للهيمنة على أفق ما بعد الحداثة، هذا إن لم يلغ مسألة الجندر برمتها.  ما بعد النسوية  هي جزء من نقد ما بعد البنيوية  لأي فئة جُعلت متجانسة، مستجوبة كل افتراض عن وجود هوية ثابتة، سواء كانت الجندر أو العرق أو الطبقة. وُجهت الانتقادات أيضا ضد أي محاولة لإضفاء الصبغة العالمية، والوحدة، ومعيارية الفكر، بوصفها عجرفة لا مبرر لها. على العكس من ذلك، يسلط هذا المنظور الضوء على التشظيات، والتفصيلات particularisation، والدينامية.
برزت المرأة في نقاشات ما بعد البنيوية النسوية مجزأة ومتعددة ومحددة بوصفها (خطابا) اجتماعيا وتاريخيا [ كتحديد الذات عموما فيما بعد البنيوية الفوكووية على وجه الخصوص]. وهكذا، فإن نظرية ما بعد البنيوية النسوية ليست معنية باكتشاف خبرة أو صوت "أنثوي" أصيل، ولكن استجواب الطريقة التي يتم من خلالها تشكيل تجارب وخبرات ورغبات النساء وتنظيمها في سياق علاقات السلطة البطريركية. على سبيل المثال، بدأ العمل النسوي ما بعد البنيوي الاهتمام بمجموعة واسعة من الظواهر مثل الإيدز، وفقدان الشهية العصبي، والأمومة، والجنون، واكتئاب ما بعد الولادة، واستكشاف كيفية تشكيلها وتنظيمها في الخطابات المختلفة، وكيف يتم صياغة نتائجها في التراكيب الإنثوية. وكيف ينظم ويقيد  تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة أو فقدان الشهية العصبي المرأة التي تشخص به ؟ أو كيف تتشعب التراكيب الأنثوية في فئة تشخيصية معينة؟ ما المعرفة وصيغة الذاتية التي يتم إنتاجها من خلال تشخيص قلق المرأة واضطراباتها النفسية بوصفها اضرابات ما قبل الدورة الشهرية على سبيل المثال، وما هي المعارف الأخرى أو طرق الوجود التي يتم إلغاؤها؟

تقدم نظرية ما بعد البنيوية وسيلة قيمة خاصة للنظر في العلاقة بين الخبرة والسلطة الاجتماعية، ما يعني أن الشخصية سياسية، وبالتالي فيمكن القول أيضا أن "النسوية هي سياسات" أيضا، كما أن اهتمام ما بعد البنيوية بالآثار التأسيسية والتنظيمية للسلطة يجعلها إطارا مفيدا ومثمرا للغاية بالنسبة للأبحاث النسوية.

تعليقات

المشاركات الشائعة