التفكيك بين الاشتغالات النصية والنضالات الواقعية

                                                                                     أماني أبو رحمة
تعرض عمل دريدا لانتقادات عديدة في حياته وبعد وفاته ممن عارضوا مشروعه جملة وتفصيلا ومن آخرين التزموا ببعض اجراءاته لكن ليس بلا انتقادات حادة أحيانا. يأتي على رأس الأراء النقدية ضد مشروع دريدا اولئك المنظرين المهتمين بتطوير ممارسات سياسية راديكالية، سواء كانت طبقية أو عرقية أو حتى جنسية، لذلك نجد هنا اسماء مثل ادوارد سعيد، ومارك بوستر، ومايكل راين، وسبايفاك، وهيلين سكسو، ولوس اريغاري.
تتركز مزاعم هؤلاء في أن تحقيق دريدا في النصوص الفلسفية واستجوابها كان ذا مغزى وأهمية في تحدي ممارسات أكاديمية وفكرية معينة، إلا أنه بقي نخبويا و لا علاقة له بالنضالات ضد السلطة التي تعمل على مستوى المعيشة والحياة اليومية.
يرى سعيد في (مشكلة النصية، 1978) وراين في ( الماركسية والتفكيكية،1982) على سبيل المثال أن عمل دريدا محدود بسبب غياب الفهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لنضالات أكثر واقعية وأكثر الحاحا و أكثر ضرورة، نضالات تحتدم خارج النصوص.


هذه التهمة صحيحة اذا كنا لا نرى إلا النضالات السياسية الموجهة نحو الانقلاب الثوري بمصطلحات العرق أو الطبقة. ولكن تلك ليست المفاهيم الوحيدة للسياسات أو النضالات. دريدا، مثله مثل فوكو وما بعد البنيويين عموما، لا يأخذ بامكانية الانفجار الثوري أو الراديكالي للمعايير والعلاقات الموجودة، القطيعة النظيفة والخالصة بلا رواسب أو شوائب من الماضي. فهذا التوجه ينسف الأسس التي تقوم عليها تفكيكيته ومفاهيمه مثل الديفرانس والآخر والإلحاق والترميم والأثر. ولكن هذا أيضا لا يعني الاصلاحية أو التقبل المحافظ لتلك المعايير. ولكنها، بدلا من ذلك، أن نفهم الفعل السياسي بطريقة أقل شمولية. لم يقل دريدا ان السياسات التي تورط بها على مستوى كتاباته هي بمثابة نموذج للآخرين، وبالتحديد أيضا لكل الآخرين. فهي نضالات راديكالية خاصة منخرطة في مجال محدد هو انتاج النصوص الفلسفية. واذا كان لها ان تكون نموذجا راديكاليا فلن تعمل ابدا إلا في الفروع العلمية والتطبيقية التي تتشارك اهتمامات دريدا. التفكيك سلاح أكثر من كونه مذهبا، سلاح يوظف في سياقات محددة ولأهداف متعلقة بالنصية. وهذا أيضا لا يتضمن أن دريدا يهمل أو يختزل وظائف وتأثيرات الممارسات في الحياة اليومية إلى مواقف خطابية خالصة. اشتغال دريدا على النصوص، وهذه حقيقة، ولكن النص ليس هو الكتاب فحسب. النص والكتابة، الديفرانس والكتابة البدئية تعمل أيضا على / وبوصفها الشروط القبلية، (لـ)كتابة تنقش على سطح جسد الإنسان، وكل الحياة الإجتماعية. واذا كنا سنعتبر التفكيك صيغة تحقيق وفحص واستجواب للنصوص، وليس نظرية ثورية أو دعوة للثورة، وليس نموذجا أو خطة عمل، فسيصعب علينا نقد عمل دريدا بوصفه لا سياسي. التفكيك، كما وصفته اليزابيث غروس، سلسلة من الاستراتيجيات للتعامل مع مزاعم الحالة الشفافة الطبيعية أو المنطقية للبنى المفاهيمية / اللغوية في نقاطها الأكثر هشاشة، في تلك النقاط حيث كتابة نص فلسفي تتجاوز حدوده المفاهيمية.

تعليقات

المشاركات الشائعة