الديفرانس: تفكيك التفكيك.

الديفرانس وتفكيك التفكيك
أماني أبو رحمة
ليس لأي مصطلح هوية في حد ذاته. تم تأسيس هويته من خلال علاقته بجميع المصطلحات الأخرى، التي ليس لها هوية إيجابية في حد ذاتها. الاختلافات بين هذه المصطلحات هي التي تشكل هوياتها: وإمكانيات الاختيار والجمع بين المصطلحات (الاستعارة و الكناية في مصطلحات جاكوبسون )، هي ما يحدد المعنى و القيمة اللغوية لجميع المصطلحات. تعمل مصطلحات "الهوية" و"الإختلاف" فقط بسبب هذا الاختلاف اللغوي. يلعب دريدا على "الإختلاف" من داخل الإختلاف نفسه. الإختلاف، من ناحية، الذي يعمل بوصفه سلبا، عكس الهوية في النظام الثنائي، ومن ناحية أخرى، الذي يعمل لتمثيل االحركة العملية أو السيرورة / المفهوم الذي يسبق منطقيا الأزواج الثنائية. إنه يتجاوز النظام الثنائي.إنه تلك البقية التي تركت بسب الاستقطاب أو أنها لم تمثل فيه. نحن هنا أمام اختلافان: اختلاف يتسبب في المعنى والهوية واختلاف هو عكس الهوية تماما في النظام الثنائي. يميز دريدا الإختلاف الأول عن الثاني بتوظيف مفردة جديدة، ابتكرها حصرا، وهي الديفرانس Différance في حين أننا سنحتفظ بمفردة الإختلاف difference للإشارة إلى نقيض الهوية.
الديفرانس هو الاختلاف بين الاختلاف والهوية. هو شرطهما وتجاوزهما معا، وأساس امكانيتهما، وهو أيضاالتمزيق العنيف غير المقبول لحدودهما المزعومة. الديفرانس هو واحد من المصطلحات التي طورها دريدا لتسليط الضوء على الحدود العدوانية للتفاوت المفاهيمي بين الفلسفة والكتابة. الديفيرانس هو الاسم الذي اطلقه دريدا على اللعب المادي للقوى المنتجة لجميع الهويات. يظهر التسلسل الهرمي الميتافيزيقي منظما بشكل تعسفي، وبالتالي قابلا للتغيير. وبالمثل، في حين أن الكلام قد منح أولية واعتبر بدئيا مقارنة بالكتابة التي كانت مجرد الجهاز التقني لتسجيل الكلام وحفظه، فإن الكلام والكتابة، على حد سواء، يمكن أن ينظر إليها بوصفهما محكومين بقوانين الكتابة، لا الكلام. يمكن أن تحتل الكتابة أيضا المركز الأساسي، والكلام يصبح بالتالي اشتقاقها. ولكن تخيل أن هذه الرؤية قد تطيح بنظام المعارضات الثنائية من أساسه، سيقلل من شأن القوة القسرية والعنف الذي شكل تاريخ التمركز حول اللوغوس. فالمصطلح الذي منح الامتيازات في النظام الثنائي مارس تاريخيا قوة تحريضية قهرية على أنظمة تفكيرنا المعاصرة. ولكن دريدا يوضح أن تلك الضرورة التاريخية ليست ضرورة منطقية. فتلك القيم قابلة للعكس التعسفي والتحول السياسي. وبوصفها ضرورة تاريخية، فإن المصطلحات المميزة تفرض قوتها على التفكيك نفسه، الأمر الذي يفترض ضمنا، بالتالي، تفكيكا ذاتيا. تفكيك التفكيك. تفكيك لا نهاية له.
يكتب هنري رونز: "من خلال هذه الحركة الدائرية العنيفة والمخلصة معا وفي الوقت ذاتة بين داخل الفلسفة وخارجها، - الفلسفة الغربية - تُنتج  هناك أعمالا نصية معينة تمنح المتعة الأعلى. تلك هي، الكتابة المهتمة بذاتها التي تتيح لنا أيضا  قراءة الصيغ والمبادئ الفلسفية وبالتالي كل نصوص ثقافتنا كأنواع من الأعراضsymptoms... من شيء لا يمكن تقديمه في تاريخ الفلسفة، والذي، علاوة على ذلك، لا يوجد في أي مكان... "
يخدم مصطلح الديفرانس أغراضا عديدة. إنه يشير إلى أسبقية الكتابة مقابل الكلام (لا يمكن سماع 'a' في Differance، ولكها تكتب وتقرأ  فقط )؛ كما أنه يبشر بأولوية الغياب على الحضور ('a' لها معنى فقط بالإشارة إلى(e) الغائبة او المستبدلة الآن التي تفترضها وتلعب بها )؛ وأولوية المادية على المفاهيمية('a' هي الأثر المادي وحده، والفرق المادي بين'a' و 'ُe' كونها كل ما يميز الإختلاف بوصفه المعارضة، والاختلاف كشرط مسبق للمعارضات). وبالتالي فإن الديفرانس هو شرط التمركز حول اللوغوس، الذي يسعى إلى إنكاره أو التنصل من لعبته التخريبية؛ ولكن الديفيرانس يهدد  في كل لحظة بتقويض أو تجاوز التمركز اللوغوسي.
الإختلاف Difference مصطلح مشتق من اللاتينية differre وله معنيان في الفرنسية والإنجليزية؛ to differ و to defer. يشير المعنى الأول إلى حركة مميزة ومفهومة مكانيا. ويشير الثاني إلى حركة تأجيل أو تريث في الزمن.
يشير المصطلح إلى الاستحالة التأسيسية لهوية متماسكة في المكان أو بمرور الزمن - استحالة الهوية المكانية والزمانية؛ يكتب رونز:  "أن تختلف ... هو أن تتزمن، أن تتريث أو تماطل ، أن تأخذ مدة، بوعي أو دون وعي، عند منعطف أو التفافة في الوسيط الزمني، منعطف يعلق انجاز أو تحقيق "رغبة" أو "إرادة" ويؤثر بالقدر نفسه  على هذا التعليق في صيغة تلغى أو تزعج تأثيره الخاص ....والمعنى الآخر لأن تختلف هو أكثر شيوعا ؛ أن تكون غير متطابق، أن تكون آخرا، قابلا للتميز... الخ. فاصل زمني، مسافة، مباعدة يجب أن تُنتج بين العناصر... ويتم إنتاجها بمثابرة في التكرار".
وتلخيصا لما سبق نقول :
1)   يمكن اعتبار الديفرانس حركة، طاقة أو قوة ، أو خاصية ، أو دافع  ليس له هوية.
2)    وهو النشاط الذي يجعل الاشياء المختلفةـ ممكنة ماديا أو عقليا.
3)    يؤجل الديفرانس أو يعلق الهوية والمعنى.
4)   الديفراس هو اسم اطلقه دريدا على محاولاته  كشف لعبة الاختلافات.

ومع ذلك ، علينا أن لا نبالغ في قيمة هذا المصطلح ، أو أن نبتكر منه برنامجا تفسيريا محددا، أو لاهوتا أو لاهوتا سلبيا. لقد برز المصطلح بوصفه مصطلحا استراتيجيا فقط في سياقات حيث تبرز قضايا تتعلق بالهوية والتشابه والإختلاف. الديفرانس مصطلح واحد ضمن كوكبة من المصطلحات التي أما ان دريدا استخلصها من نصوص فلسفية سابقة مثل الألحاق، والفارماكون والأثر، أو نحتها تفاعلا مع قراءات نصية  أخرى. كلها فيما ترى اليزابيث غروس"عرضية مؤقتة ، يمكن أن نلقيها وراء ظهورنا حين لا نواجه تحديا متعلقا بأغراضها).

تعليقات

المشاركات الشائعة