فوكو وفتنة النيوليبرالية.

عمارأحمد الشقيري: وما رأيك باتهام فوكو من قبل كثيرين – من بينهم زامورا - بأنه نيو ليبرالي؟
أماني أبو رحمة:  بالنسبة لردة فوكو النيوليبرالية التي يدعي زامورا أنه أول من التفت اليها وأن اليسار الراديكالي المسحور بفوكو يغض الطرف عنها ويخلص في نهاية المطاف الى اتهام فوكو بأنه نيوليبرالي صريح. هذه نقطة تناولتها في الكتاب استنادا إلى مراجع متعددة طرحت الفكرة ليس من بينها أبدا كتاب زامورا ولا مقابلته المذكورة. ما أريد قوله هو أن ما بدا أنه افتتان فوكو بالنيوليبرالية قد لفت نظر كثير من النقاد والمحللين قبل زامورا.
ففي كتاب(فوكو: السياسات الحياتية والحاكمية،2013) الذي حرره جاكوب نيلسون وسفين والفي الينشتاين (على غرار كتاب زامورا ) مقالات مؤثرة تحلل اهتمام فوكو بالليبرالية والنيوليبرالية أذكر منها على سبيل المثال مقدمة الينشتاين التي يقول فيها :"صدم العديد من القراء بلهجة فوكو المحايدة في هذه المحاضرات (على الرغم من أنها تظهر مثل علامة على سوء النية، لأن مثل هذا الحياد والمسافة علامة فارقة في معالجة فوكو للمواد التاريخية). لقد بدا في بعض الأحيان أيضا أنه يتجاوزتها إلى الإفتتان، مما أدى بالبعض إلى الزعم بأن هناك منحى ليبرالي في أعمال فوكو المتأخرة. في فقرة تبدأ بوصفها إضاءة على، أو ربما حتى اعادة صياغه لأفكار هايك. ينزلق فوكو نحو ما يبدو وكأنه وضع ضروري ويدعو إلى تحويل الخيال السياسي حين يقول: "الأمر متروك لنا أن نخلق اليوتوبيا الليبرالية والتفكير في وضع ليبرالي، بدلا من تقديم الليبرالية كبديل تقني عن الحكومة. يجب أن تكون الليبرالية نمطاعاما في الفكر والتحليل والخيال ". في حين أن فكرة العودة الكاسحة نحو الليبرالية يبدو مبالغا فيها، خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن فوكو رفض المشاركة في النظرية السياسية المعيارية طول حياته. إلا أن مشكلة أخرى تحفزها قراءة أعماله الأخيرة: مصير فكرة المقاومة، وقضية الى أي مدى يسمح لنا تحليل الحاكمية النيوليبرالية افتراض مسافة نقدية من الحاضر". كما أشير ايضا إلى مقالة جوانا اوكسالا في الكتاب ذاته بعنوان ( النيوليبرالية وحاكمية السلطة الحيوية) والتي شرحت فيها المسألة على ثلاثة محاور: المعرفة والسلطة والذاتية. وترى أنه بدلا من مقاربة النيوليبرالية بوصفها قناعا أيديولوجيا للحقيقة المخفية، يجب علينا الاستجابة لها على مستوى إنتاج الحقيقة، تقول" وبالتالي فإن لأشكال الحكم الليبرالية علاقة جديدة بالحقيقة: إن السوق سيكون مكان تأكيد الحقيقة، وهو ما يعني أن النظرية السياسية ستجد نفسها تابعة لهيئة جديدة من المعرفة، وهي "الاقتصاد"؛ المصطلح الذي تحول معناه الآن إلى معنى حديث معترف به. لكن هذا لا يعني أن الاقتصاد هنا سيمر في النهاية من عتبة معيار العلمية، بل أنه سيوهب وظيفة "الحقيقة" ذاتها بعيدا عن التعقيدات الجديدة للسلطة والمعرفة التي تخضع لها السياسة. تحييد فوكو للفرق بين العلم والإيديولوجيا لصالح دراية أكثر حيادا لا يزال فاعلا هنا: "السياسة والاقتصاد"، يقول: "ليست أشياء موجودة، أو أخطاء، أو أوهام، أو ايديولوجيات. هي أمور التي لا وجود لها، ولكنها مدرجة في الواقع وتصنف تحت نظام الحقيقة الذي يحدد الحق والباطل ". وهي المقاربة والنتيجة ذاتها التي توصل اليها توماس ليمكه في كتابه في كتابه الرائد( السياسات الحياتية : مقدمة مطورة) وفي مقالته في الأنطولوجيا المذكورة وغيرهم كثير، فكيف يزعم زامورا أن التفاتته غير مسبوقة؟ لا شك أن فوكو قد وجد في النيوليبرالية ما يستحق الاهتمام. ولكن بغض النظر عن الأسباب التاريخية والسياقية التي دفعت فوكو إلى ذلك، كان الحديث يدور حول "النيوليبرالية " المبكرة، قبل ريغان أو تاتشر وبالتاكيد قبل توني بلير. ولا ننكر أبدا أن هناك لمحات قد تفسر تعاطفا مع النيوليبرالية في تلك المحاضرة الوحيدة التي تناول فيها فوكو قضية من قضايا القرن العشرين على مدار محاضراته الباريسية في الكولج دو فرانس، ولكن هذا شيء ووصمه بالنيوليبرالية شيء آخر تماما. وإلا فإنه يمكننا بمقارنة نبرته في تلك المحاضرة مع نبرته في محاضراته اللاحقة عن المسيحية والعصور القديمة ـــ أن ندعي أنه كان مسيحيا أو رواقيا.

تعليقات

المشاركات الشائعة