فوكو: الهيمنة والمقاومة

 فوكو: الهيمنة والمقاومة 
أماني أبو رحمة.

"ربما أن الهدف في الوقت الحاضر ليس اكتشاف ما نحن عليه، ولكن رفض ما نحن عليه".
                                                                              فوكو
_______________________________________________________
يبدو أن الأثر التراكمي لأركولوجيا وجينالوجيا فوكو قد أُصيب بالوهن. لأن السلطة حسب وصفه تنتشر في جميع أنحاء الميدان الاجتماعي، وتشكل الذوات الفردية والمعارف والملذات، أو تستعمر الجسم نفسه، مستغلة قوته في حين أنها تحمله على الطاعة والامتثال. ومنذ القرن السابع عشر، تم القبض على الأفراد داخل شبكة معقدة من السلطات الانضباطية والتطبيعية وشاملة الإراءة التي تدرس وتحكم على/ وتقيس وتصحح كل حركة. لا توجد فضاءات للحرية البدائية في المجتمع. السلطة  في كل مكان. "ما أريد أن أنبه له هو حقيقة أن كل علاقة انسانية هي إلى حد ما علاقة سلطة. نحن نتحرك في عالم العلاقات الاستراتيجية الدائمة".
وعلى الرغم من هذه الرؤية المكثفة عن القمع، فمن الخطأ أن نرى فوكو قدريا بالنسبة للتغيير الاجتماعي والسياسي في أعماله لأنه يمكن قراءته بطريقة أخرى. والواقع أن تدخلات فوكو نفسه في الصراعات السياسية والمناقشات بلا معنى يذكر إذا كان يشعر أن طوق السلطة غير قابل للكسر. يمكن للمرء أن يتكلم حتى عن تفاؤل فوكو الذي يمكن قراءته من ايمانه بطارئية وهشاشة السلطة : "هناك تفاؤل يتبلور في القول أن الأمور لا يمكن أن تكون أفضل. ولكن تفاؤلي يتكون إلى حد ما في القول إن أشياء كثيرة يمكن أن تتغير، هشة كما هي، مرتبطة بالظروف أكثر من الضرورات ، اكثر تعسفا من كونها بديهية، مسألة ظروف معقدة  ولكنها مؤقتة وتاريخية اكثر من كونها قيود انثروبولوجية حتمية".
في نهاية المطاف، يتوافق هذا الموقف مع الاعتقاد أن "المعرفة يمكن أن تحولنا" - ومن هنا تأتي أهمية الأركيولوجيا والجينيالوجيا بوصفها وسائل تاريخية تعرض بدايات وتطور خطابات وممارسات الاخضاع الحالية. تحول سوء تفسير فوكو إلى خلط بين السلطة بوصفها منتشرة في كل مكان والسلطة بوصفه قاهرة. ففي حين أن السلطة في كل مكان يعني أنها لا تنفصل عن الطعن والنضال: "أنا فقط أقول: بمجرد أن هناك علاقة سلطة، هناك إمكانية للمقاومة. لا يمكننا أبدا أن نقع في شرك السلطة : يمكننا تعديل قبضتها في ظروف حاسمة وفقا لإستراتيجية محددة".
والحجة المشتركة التي تقول أن فوكو يعرض الذوات بوصفهم ضحايا عاجزين وسلبين للسلطة تفشل في ملاحظة تأكيده على طارئية وضعف السلطة في المواضع حيث يصف المقاومة الفعلية لها.
في المراقبة والمعاقبة على سبيل المثال، يصف فوكو باختصار " اللاشرعيات الشعبية" واستراتيجيات عدم الانضباط لمواجهة ميكانزمات الانضباط والتطبيع. في تاريخ الجنسانية، يقول أنه في حين أن خطابات "الانحراف والضلال " تضاعف آليات الرقابة الاجتماعية، الا أنها تنتج أيضا خطابات عكسية يستغلوها المثليون من أجل المطالبة بشرعيتهم كمجموعة". وباعتراف الجميع، فإن هذه القطعة نادرة في كتابات فوكو، فالتأكيد الأكبر  في عمل فوكو كان على الطرق التي تصنف الأفراد، وتشيؤهم وتفردهم وتضبطهم وتطبعهم. أصبح فوكو نفسه مدركا لهذه المشكلة وتحول تركيزه من "تكنولوجيات الهيمنة 'إلى' تكنولوجيات الذات"، من الطرق التي يتم بها تحويل الأفراد من قبل الآخرين إلى الطرق التي يحول بها الأفراد أنفسهم.
 في جميع أعماله، كانت تصريحات فوكو عن التكتيكات السياسية غامضة للغاية ومؤقتة، ولم ينشأ عنها شيئا مثل "السياسات الفوكووية " - الأمر الذي يترتب عليه نظرية منهجية جدا يرفضها هو - ومع ذلك، هناك بوضوح استراتيجيات فوكووية تقطع مع الافتراضات الماركسية الثورية وتشكل نهج ما بعد الحداثة في السياسة.


تعليقات

المشاركات الشائعة