ما هو الدور الذي يلعبه الموت المسيس في حبكة الحياة والسياسة؟

أماني أبو رحمة.
ما هو الدور الذي يلعبه الموت المسيس في حبكة الحياة والسياسة؟
هنا، ليس لدى فوكو إلا القليل ليقوله لنا بشكل مباشر في "حق الموت والسلطة على الحياة"، عنوان الفصل الأخير من كتاب "إرادة العرفان"، المجلد الأول من تاريخ الجنسانية. ولكن يمكن استخلاص عدد من الإحتمالات من أعماله الأخرى. في ندوة ظهرت عام 1976 كجزء من محاضرات كوليج دو فرانس بعنوان "يجب الدفاع عن المجتمع" يربط فوكو بين الدور المتزايد الأهمية للموت في السياسات الحيوية والعنصرية التي وصلت الى مستويات غير مسبوقة في القرن العشرين.[ فوكو مثله مثل معظم الفلاسفة الغربيين، يرى في النازية قمة الشر الذي يجب أن لا يتكرر في التاريخ، لذلك فهي موضوع تنظيراته عن سياسات الموت كما أيضا كل من كتب في السياسات الحيوية بعده].هنا، تبدو السياسات الحيوية وكأنها سياسات الموت thanatopolitics. حيث حياة عرق معين تصبح مطابقة لهدف استبعاد عرق آخر من الحياة نفسها. وكأن الموت المتضمن في الحياة يمكن تجنبه ليس عن طريق تأجيله، ولكن من خلال طرده، من خلال خلق انقطاع قاس جديد في وجود النوع (البشري هنا).
 يختلف شكل العنصرية التي يدعونا فوكو للنظر فيها تماما عن العنصرية التي كانت في ذلك الحين "عدسة" الباحثين العلميين والإجتماعيين. العنصرية التي نختبرها في مجال السياسات الحيوية لا يمكن اختزالها إلى " الجوهرية البيولوجية" التي تتماهي في عرف بعض النقاد مع (العنصرية) عموما، ولا مع (النيوعنصرية) ــــــ التي تؤكد على الفروقات الثقافية الثابثة وغير القابلة للتحول والتغيير ـــــ التي تمثل النظير الجدلي للإعتماد على سلطة العلوم الطبيعية. بل هي شكل متناقض من العنصرية: العنصرية التي تفرز وتهيكل السكان دون السعي إلى دعم "العنصرية النظرية" (مثل الاجتماعية الداروينية، واقتصاد مالتوس، أو علم تحسين النسل) أو "العنصرية العفوية" (النوع الذي يركز على النمط الظاهري، ويستمد من الكراهية والجهل، أو اللاعقلانية).
وبالمعنى الفوكووي الصارم، في الواقع، تنتج عنصرية السياسات الحيوية أثار سياساتها القاتلة في السكان دون أي إشارة صريحة إلى "العرق" على الإطلاق. إنها العنصرية التي، بدلا من الإشارة إلى "العرق"، تشير الآن، بفضل النزعات الشمولية لعلم الأحياء المعاصر، إلى توقف غامض، إلى انقطاع معين. لا تسعى هذه العنصرية إلى استبعاد سكانا بعينهم من مؤسسات الحياة المدنية والسياسية. ولكنها تفسر لماذا، على الرغم من العديد من المحاولات المضنية للاستيعاب، يبدو بعض السكان عاجزا بشكل دائم عن تحقيق حياة مزدهرة داخل تلك المؤسسات. ولأننا لا نتحدث الآن باسم "العرق السيد"، ولكن نيابة عن الجنس البشري بأكمله، فإن ذلك يساعدنا على فهم لماذا أن التفاوتات الدائمة في البطالة، والسجن، والجريمة، والمرض ليست مهمة في النزاعات السياسية أو المقاومة السياسية، ولكنها ببساطة إنحرافات إحصائية مستمرة وأمراض استنفذت العلاجات السياسية والقانونية بشكل مأساوي. والنتيجة هي العنصرية المناسبة لفكرة (عدم التدخل، أو دعه يعمل) في الإقتصاد الرأسمالي: العنصرية التي تفسر، دون عداء سافر، سبب التوزيع غير العادل الحالي للسلطة الحيوية ـــ وللأسف فإن النتيجة ليست سوى توزيع العالم المعولم إلى" مناطق حياة" (حيث المواطنون المحميون بتقنيات الصحة والأمن والسلامة) و"مناطق موت" (حيت تتعرض مناطق الأرواح المهدرة هذه للمرض، والحوادث، والحرب، ودعه يموت). لم يكن هدف فوكو، بطبيعة الحال، السماح لسياساته الحيوية بالانجراف إلى سياسات الموت. إذ مع نشر محاضراته الأخيرة (وليس فقط المحاضرات السياسية التي جمعت تحت عناوين( الأمن والاقليم والسكان) و(ولادة السياسات الحيوية)، ولكن أيضا محاضراته عن "أخلاقيات" الإغريق)، يقترح فوكو أن تكثيف الموت عبر السكان ليس إلا واحدة من العمليات المتكررة للسياسات الحيوية. في هذه النصوص الأخيرة، يوجه فوكو القارئ نحو الحاكمية بوصفها استجابة ممكنة اخرى لـ"السلطة على الحياة." هذا المتنفس للسياسات الحيوية في الحاكمية Governmentality، نحو حكم الذات والآخرين، هو ما يجده فوكو في"إنتاج المصلحة الجماعية من خلال لعبة الرغبة،" مما قاده الى أن يتحدث عن "طبيعية naturalness السكان وتكلف artificiality وزيف الوسائل التي نتبناها لإدارتهم".

تعليقات

المشاركات الشائعة