نسويات الثورة على الجندر


نسويات الثورة على الجندر
أماني أبو رحمة

شهدت الثمانينات والتسعينات الماضية ظهور نظريات نسوية تهاجم النظام الاجتماعي المهيمن من خلال استجواب وضوح وتماسك الفئات التي تشكل تسلسلات النظام الهرمية. تفكك تلك النظريات البنى المتشابكة للسلطة والامتياز الذي يجعل فئة الرجال هي المهيمنة، ويضع أي (آخر) غيرها على درجات سلم الحرمان والتهميش المتزايد. تحلل تلك النظريات أيضا كيف أن الإنتاج الثقافي، وخاصة في وسائل الإعلام، يبرر ويطبع عدم المساواة والممارسات التبعية. تمتلك هذه النسويات امكانيات ثورية تهدد بزعزعة استقرار/ وقيم النظام الاجتماعي السائد. يمكن تحديد هذه التظيرات إلى: نسوية الأعراق المتعددة، ونسوية الرجال، ونسوية البنائية الاجتماعية، ونسوية ما بعد الحداثة، ونظرية الكوير.
نسوية الأعراق المتعددة.
طوال القرن العشرين، اعتقد النقاد الاجتماعيون إن جانبا واحدا من عدم المساواة أكثر أهمية من غيره. يشكل العرق والدين والطبقة الاجتماعية والجنس نظاما معقدًا من الطبقات الهرمية حيث الطبقة العليا، مغايري الجنس، والرجال والنساء البيض يقمعون الطبقة الدنيا والنساء والرجال من الأعراق والأديان المهمشة. وبتقصي خيوط الاضطهاد والاستغلال المتعددة، أظهرت النسوية متعددة الأعراق أن الجندر، والعرق، والدين، والطبقة الاجتماعية هي علاقات متشابكة هيكليا.
لا يكفي لتشريح مؤسسة اجتماعية أو منطقة فكر اجتماعي من وجهة نظر المرأة كما تعتقد مجموعة نسويات (وجهة النظر أو الموقف standpoint theory). اذ لا بد لوجهة النظر هذه أن تشمل تجارب النساء والرجال من مختلف الجماعات العرقية والدينية ويجب أيضا أن تأخذ في الاعتبار الطبقة الاجتماعية والظروف الاقتصادية. فالقيم والهوية والوعي الذاتي متجذر في كل الحالات الاجتماعية الرئيسية. والعرق والدين والطبقة الاجتماعية والجندر هي جدران و نوافذ حياتنا - فهي تهيكل ما نختبره، ونفعله، ونشعر به، ونراه، ونؤمن به فيما يتعلق بنا والآخرين. تشير باتريشيا هيل كولينز في تعليق على (نظرية الموقف) النسوية إلى أن هذه التجارب ليست فردية، لكنها تنتمي إلى مجموعات وبالتالي فهي مصدر حيوي لمنظور عالمي وشعور بالهوية، معا. النقطة الهامة التي قدمتها نسوية الأعراق المتعددة هي أن المجموعات التابعة لا تحدد فقط حسب الجندر أو العرق أو الدين، ولكنها مواقع اجتماعية في أنظمة متعددة من الهيمنة. الرجال مضطهدون مثل النساء، لكن الرجال والنساء من الفئات المحرومة مقموعون بطرق مختلفة - في الولايات المتحدة، يعاقب الرجال السود على الرغم من/ أو ربما بسب كونهم رجالا. وتحاصر المرأة السوداء بأدورار جنسية أو أُمومية. وهكذا، يعكس الوعي الجماعي جميع الأوضاع الاجتماعية في آن واحد. تجد النسوية الثقافية متعددة الأعراق الفن في كل ما تنتجه النساء من أي ثقافة في الحياة اليومية: المنسوجات، والأغاني الشعبية، والرقصات الاحتفالية، والأطباق الشعبية، والأطباق المزخرفة، والحياكة والتطريز، كلها جزء من ثقافة نسائية نابضة بالحياة. هذه الصيغ الفنية والأدبية متشابكة ومعبرة عاطفيا. بل انها المعادل الثقافي لإنتاجات الرجال الثقافية التخريبية، مثل موسيقى الجاز وموسيقى الراب، ومثلها أيضا في التعبير عن التمايز والاختلاف عن طريقة المجموعة السائدة في الكلام والتفكير. قد لا تشعر المرأة من مجموعة عرقية محرومة بالولاء أو التماهي مع "كل النساء". لكنها قد تشعر أيضا بالغربة عن رجال مجموعتها، إذا كانوا ظالمين للمرأة بسبب الثقافة الأبوية التقليدية أو لأنهم أنفسهم تابعون لرجال في الطبقات العليا من التسلسل الهرمي. وهكذا، فالوعي بالتبعية وأشكال النضال ربما يجب أن تكون مختلفة بالنسبة للنساء والرجال؛ الرجل الذي هو الآخر قد يحتاج إلى البحث عن صوته المقموع من قبل رجال مهيمنين؛ والمرأة التي التي هى آخر قد تحتاج إلى العثور على صوت قمعه كل من الرجال المهيمنين والتابعين.
نسوية الرجال
 نسوية الرجال هي مجال دراسي مزدهر يطبق النظريات النسوية لدراسة الرجال والذكورة. تضلع نسوية الرجال بدراسة النساء من خلال علاقتهن بالرجال – معاملة الرجال والنساء كجندر ودراسة الذكورة كما الأنوثة. والهدف الأساسي هو تطوير نظرية، ليس عن ذكورة، ولكن عن ذكورات متعددة، بسبب التنوع بين الرجال. لا توجد خصائص ذكورية عالمية تنطبق على كل المجتمعات ولا، في السياق نفسه، على المجتمع الواحد، أو أي بيئة تنظيمية واحدة، كما تزعم الدراسات عن الطبقة العاملة والعنصرية الطبقية وغيرها.
النظرية الرئيسية التي طورتها نسوية الرجال، والتي كانت تستخدم لتشريح الاختلافات بين وضمن مجموعات من رجال الطبقة الوسطى والطبقة العاملة من مختلف المجموعات العرقية والتوجهات الجنسية، هي مفهوم الذكورة المهيمنة hegemonic masculinity. والرجال المهيمنون هم أولئك الناجحون اقتصاديا، والمتفقون عرقيا، وغيري الجنسية ظاهريا. غير أن خصائص الذكورة أو الهيمنة أو غير ذلك، ليست مصدر الحالة أو الوضع الجندري للرجال. الجندرين - الرجال والنساء – علائقيون ومتضمنون في بنية النظام الاجتماعي. والهدف من التحليل بالتالي ليس الذكورة أو الأنوثة ولكن علاقتهما المتعارضة.
لا يمكن دراسة الرجال والنساء بشكل منفصل. كل حكاية عدم المساواة الجندرية تنطوي على علاقة بين من يملكون ومن لا يملكون، بين المهيمنين والتابعين، بين ذوي المزايا والمحرومين. تقول نسوية الرجال إن عدم المساواة بين الجندرين تشمل تشويه الرجال لرجال آخرين فضلا عن استغلالهم للمرأة. فالعمال من مستوى متدن في جميع أنحاء العالم مضطهدون بسبب عدم المساواة في الاقتصاد العالمي، كما وتهدد بيئات العمل المحفوفة بالمخاطر والأجور المتدنية حيوات العمال الشباب. تلوم هذه النسوية أيضا الرياضة، والجيش، ورابطات الأخوة، وسائر الروابط القائمة على الذكورة فقط لتشجيعها العنف الجنسي والجندري وكراهية النساء. تشجع هذه الارتباطات الرجال على التماهي مع آبائهم وأن يكونوا "باردين" وعديمي الإحساس تجاه النساء في حياتهم وبعيدين عن أطفالهم. انتقدت نسوية الرجال أيضا التحركات الذكورية التي تعزز البحث عن رجل بدئي أو" الرجل البري "ومنظمات الرجال ذات التوجه الديني التي تربط المسؤولية تجاه الأسرة مع المفاهيم الأبوية للرجولة. ووتقول إن هذه الحركات تسعى إلى تغيير المواقف الفردية ولا تعالج الظروف البنيوية لعدم المساواة الجندرية أو اختلافات السلطة بين الرجال. مصادر عدم المساواة الجندرية التي تركز عليها حركة نسوية الرجال متضمنة في الأنظمة المتقاطعة التي تحكم المجتمعات الغربية وكذلك في رهاب المثلية عند غيريي الجنس، الذين يبنون ذكوريتهم بوصفها عكس ذكورية الرجال المثليين. وبالتالي، فمن الضروري للرجال البارزين من كل المجموعات العرقية في السياسة والرياضة ووسائل الإعلام أن يظهروا غيريتهم بشكل لا لبس فيه. يكمن عدم المساواة بين الجنسين أيضا في تنافس الرجال على المناصب القيادية في أي ساحة يجدون فيها أنفسهم، واستبعاد النساء قدر الإمكان من المنافسة. ليس من قبيل الصدفة أن الكثير من لغة المنافسة هي لغة الرياضة، لأن الرياضة المنظمة ليست مجرد موقع فوري لعروض الذكورة، ولكن أيضا مصدرا للقدرة التنافسية البديلة ولإنشاء الايقونات الرمزية للقوة والجمال الذكوري. لسوء الحظ، فإن هذه الايقونات أيضا ايقونات العنف الجسدي والجنسي. تتداخل نسوية الرجال مع الدراسات المثلية في تحليل الأبعاد الاجتماعية للمثلية الجنسية الذكورية. دراسة المثلية من منظور جندري تظهر أن الرجال المثليين هم رجال، وليس جندرا ثالثا، ويتمتعون بامتيازات و عيوب وأسلوب حياة الرجال من نفس المجموعة العرقية والطبقة الاجتماعية. ومع ذلك، ولأن الرجال المثليين لا يقيمون علاقات جنسية مع النساء - علامة هامة للرجولة في المجتمع الغربي - يعتبرون غير كاملي الرجولة.
وهكذا، مثل غيرهم من الرجال الذين ليس لديهم علامات حالة الهيمنة (الأبيض، الناجح اقتصاديًا، وغيري الجنس)، يحتل الرجال المثليين درجة أقل على مقياس الامتياز والسلطة في المجتمع الغربي. الرجال المثليين،
مع ذلك، لا يفسدون الترتيب الجندري لانهم يحتفظون "بحصة " من مزايا الذكور البطريركية. توفر نسوية الرجال التصحيحية اللازمة لإدخال الرجال في ابحاث الجندر كذوات للدراسة، لكنها لا تقدم نظرية جديدة. بدلا من ذلك، فإن الحركة النسائية للرجال هي خليط من نسوية البنائية الاجتماعية ونسوية التعددية العرقية، ونسوية التحليل النفسي، والنسوية التنموية ودراسات المثليين. ومن المرجح أن نسوية الرجال ستندمج في منظورات وتوجهات نسوية أكثر عمومية.

نسوية البنائية الإجتماعية
بينما تركز النسوية متعددة الأعراق على تأثيرات الموقع في نظام منح المزايا أو لا منحها، وتركز نسوية الرجل على العلاقات الهرمية بين الرجال والرجال الآخرين والنساء، فإن نسوية البنائية الاجتماعية تنظر في هيكل النظام الاجتماعي القائم على الجندر ككل. وترى الجندر كمؤسسة على مستوى المجتمع تغلغلت في جميع المنظمات الاجتماعية الكبرى. وبوصفها مؤسسة اجتماعية، يحدد الجندر توزيع السلطة والامتيازات والموارد الاقتصادية. تُدرج المعايير والتوقعات المجندرة في ادراكات الذات عند الرجال والنساء بوصفهم أنواعا معينة من البشر وبوصفها طرقا محددة للعمل وتنظيمه وللحياة الأسرية دون تفكير أو تحليل أو مساءلة لهذه المعايير والتوقعات. ترى نظرية البنائية الاجتماعية النسوية أن عدم المساواة هو جوهر الجندر نفسه: المرأة والرجل متباينان اجتماعيا من أجل تبرير معاملتهم بشكل غير متساو. وهكذا، على الرغم من تداخل الجندر مع غيره من حالات عدم المساواة، إلا أن معالجة الجزء الجندري في هياكل عدم المساواة قد يكون الأصعب، لأن الجندرية منتشرة جدًا. في الواقع، هذا الانتشار الكاسح هو ما يقود الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأن هذه الجندرة بيولوجية، وبالتالي "طبيعية".
تركز نسوية البنائية الاجتماعية على العمليات التي تخلق اختلافات جندرية وتجعل تركيب الجندر غير مرئي في الوقت نفسه. ومن امثلة العمليات الاجتماعية الشائعة التي تشجعنا على الانخراط في الاختلافات الجندرية وتجاهل استمراريتها هي تقسيم العمل في المنزل الذي يخصص رعاية الطفل والأعمال المنزلية للنساء؛ والفصل الجندري في المهن والاجور؛ وتبرير ذلك بالخصائص الذكورية والانثوية "الطبيعية"؛ والمقارنات الانتقائية التي تتجاهل أوجه التشابه، كما هو الحال في مسابقات الألعاب الرياضية المنفصلة للرجال والنساء؛ واحتواء وقمع ومحو السلوكيات والمظاهر غير اللائقة بالجندر، مثل العدوانية في النساء والحنان في الرجال.
تقول نسوية البنائية الاجتماعية أن ثنائية الذكر والانثى القائمة على أساس الجنس البيولوجي والفسيولوجي تُنتج وتتواصل من خلال العمليات الاجتماعية. يتم تجاهل الغموض التناسلي والهرموني أو تجاوزه في تصنيف الجنس عند الرضع، وجندرة الرياضة والجهد البدني يتجاهل تداخلات القوام والبنية العضلية.
في منظور نسوية البنائية الاجتماعية، عمليات التمايز الجندري، وقبول سلوك جندري ومظهر محدد، وعدم الموافقة على الانحرافات عن المعايير المقرة سلفا هي من مظاهر السلطة والسيطرة الاجتماعية. يعزز الدين والقانون والطب خطوط الحدود بين النساء والرجال ويقمع الاختلاف الجندري من خلال اللوم الأخلاقي والوصم، مثل تحديد سلوك غير لائق بوصفه خاطئ وغير قانوني ومجنون. تحلل نسوية البنائية الاجتماعية أيضا السياق الثقافي والتاريخي الذي يتم فيه تحديد الجنسانية وسنها. ما هي السلوكيات الجنسية المعتمدة والمسموح بها والمحرمة بالنسبة للنساء والرجال وبالنسبة للمجموعات الاجتماعية وتحولاتها بمرور الزمان واختلاف المكان.
الجنسانية، من هذا المنظور، هي منتج التعلم والضغوط الاجتماعية والقيم الثقافية.
تدعم العقوبات القانونية وفقدان الوظيفة والعنف النظام الاجتماعي الغيري، ما يهزم أي محاولات فردية للمقاومة والتمرد. ومع ذلك، يتماشى معظم الناس طواعية مع وصفات مجتمعهم المتعلقة بوضعهم الجندري، لأن المعايير والتوقعات ترسبت في إحساسهم الشخصي بالقيمة والهوية فبدت وكأنها حتمية طبيعية.
حتى المتخنثين (الذكور الذين يرتدون ملابس النساء والاناث اللواتي يرتدين ملابس الرجال) و المتحولين جنسيا (الأشخاص الذين قاموا بجراحة تغيير الجنس) يحاولون التصرف كرجال ونساء "عاديين". لذا فإن الرجال الذين يميلون إلى الملابس المغايرة يفضلون ارتداء ملابس ذات مظهر أنثوي للغاية، ويستخدم المتحولون الذكور هرمونات لتكبير الثديين. ولأن ملابس الرجال في الغرب المعاصر مقبولة للنساء، فلا مشكلة لدى متحولات الجنس من الإناث والمتمردات على الجندر كي يكن "مقبولات ".
سلطة البنائية الاجتماعية واضحة، ليس فقط في جندرة الأجساد والملابس، ولكن في ما يحدث في العمل و أدوار الأسرة. وجد المتحولون الذكور إلى الإناث أن الوظائف التي يحتلونها بوصفهم اناثا أقل من الرجال. و الرجال المتزوجون الذين يرتدون ملابس النساء في المنزل لا يقومون بالأعمال المنزلية في حين أنهم يرتدون ملابس النساء. أكثر من ذلك، كل أوراق هوية المتحولين جنسيا، من شهادات الميلاد إلى ﺟازات اﻟﺴﻔ، ﻳﺠ إﻋﺎدة إﺻارها بجندرهم واﺳﻤﻬ اﻟﺠ. يجب على المتزوجين المتحوليين أن يحصلوا على الطلاق لأن امرأتين ورجلين لا يمكن أن يكونا متزوجين من الناحية القانونية.
تغيير الجندر هو تغيير المرء لوضعه الاجتماعي الأساسي. من وجهة نظر نسوية البنائية الاجتماعية، تغير هذا النظام الاجتماعي القائم على الجندر لا بد أن يعني إعادة ترتيب واعية لتقسيم العمل بين الجندرين في الأسرة وفي العمل، وفي الوقت نفسه، تقويض الافتراضات حول قدرات النساء والرجال التي تبرر الوضع الراهن. ومن غير المحتمل أن يحدث هذا التغيير ما لم تتعرض المؤسسة الاجتماعية القائمة على التمايز الجندري وبنائها الاجتماعي لتحد صريح يهدد انتشارها الكاسح. ولكن وبما أن عمليات الجندرة تكون غالبا غير مرئية، فمن أين سنبدأ؟ بالوعي الشخصي وتغيير الموقف، أو إعادة هيكلة المؤسسات الاجتماعية وتغيير السلوك؟ بالتأكيد، كل من الأفراد والمؤسسات بحاجة إلى تغيير لتحقيق المساواة الجندرية، ولكن قد يكون من المستحيل القيام بهما مرة واحدة وفي الوقت ذاته. تواجة نسوية البنائية الإجتماعية معضلة سياسية. فإذا كانت الأنشطة السياسية تركز على فهم الأفراد لقيود المعايير والتوقعات الجندرية وتشجيع مقاومتها في كل جانب من جوانب حياتهم، فإن ذلك لن يغير بالضرورة البنية الاجتماعية. إذا كان التركيز على أن تهيكل منظمات العمل والحكومات بشكل يضمن المساواة بين الجندرين، فإنه لن يغير بالضرورة المعايير الجندرية للأفراد. هذه معضلة حقيقية في نظرية البنائية الإجتماعية - يبني الأفراد ويحافظون على المعايير والتوقعات وأنماط السلوك التي تصبح ممأسسة، لكن المؤسسات القائمة تقيد مدى الاختلافات المسموح بها والاختلافات الفردية والجماعية. تبني الأفعال الفردية المنمطة اجتماعيا والهياكل المؤسسية وتعزز بعضها البعض. لهذا السبب، تدرك اسوية البنائية الإجتماعية أنه يوجد دائمًا تغيير، ولكنه عادة ما يكون بطيئا - وقد لا يكون في اتجاه المساواة بين الجندرين - مثل أن يكون التغيير باتجاه الرجعية والأصولية كما حدث مؤخرا وفي اكثر من مكان.
نسوية ما بعد الحداثة
نسوية ما بعد الحداثة والنظرية الكويرية تذهب إلى أبعد من سابقاتها في تحدي فئة الجندر بوصفها ثنائية ومتعارضة وجامدة، مدعية أن الجنسانية والجندر فئات مائعة متحولة وتضاعفية.
تنتقد النسويات ما بعد الحداثيات السياسات القائمة على أساس فئة عالمية، المرأة، ويقدمن بدلا من ذلك رؤية أكثر تخريبية تقوض صلابة النظام الاجتماعي المبني على مفاهيم جنسين، وجنسانيتين، وجندرين.
ويقلن إن المساواة ستأتي عندما نعترف بأجناس وجنسانيات وجندرات متعددة بحيث لا يقف في الساحة فئتين فقط تتواجهان إلى الأبد. تدرس النظرية النسوية ما بعد الحداثية ونظرية الكوير الطرق التي تبرر بها المجتمعات المعتقدات حول الجندر في أي وقت (الآن وفي الماضي) مع "الخطابات" الأيديولوجية المتضمنة في التمثيلات الثقافية أو "النصوص". ليس فقط الفن والأدب ووسائل الإعلام، ولكن أي شيء أنتجته مجموعة اجتماعية، بما في ذلك الصحف، والإعلانات السياسية، والطقوس الدينية، هو "نص". إن "خطاب" النص هو ما يقوله، وما لا يقوله، وما يلمح إليه (يسمى أحيانًا "نصًا فرعيًا"). يصبح السياق التاريخي والاجتماعي والظروف المادية التي يصدر فيها النص جزءا من خطاب النص. إذا ما أُنتج فيلم أو مجلة في ظل القيم المحافظة أو تحت نظام سياسي قمعي، فإن "خطابه" سيختلف عما لو أُنتج في أوقات الانفتاح أو التغيير الاجتماعي. من الذي يُمول، من الذي يبدع، ومن الذي يشرف على الجانب الإداري، كل ذلك يؤثر على ما ينقله النص إلى جمهوره. الجمهور المتوقع أيضا يُشكل أي نص، على الرغم من أن الجمهور الفعلي قد يقرأ معان مختلفة تماما عن تلك التي يقصدها المنتجون."التفكيك" هي عملية فحص كل هذه الجوانب من "النص".


نظرية الكوير
 هي فرع من الدراسات الثقافية التفكيكية ما بعد الحداثية. هنا نجد أن تحليل الخطابات الجندرية الثقافية قد أُدرج ضمن النسوية ما بعد الحداثية. ركز الكثير من التفكيك النسوي ما بعد الحداثي على التمثيلات الثقافية، مثل الأفلام ومقاطع الفيديو والتلفزيون والموسيقى الشعبية والإعلانات - سواء كانت تستهدف البالغين أو المراهقين أو الأطفال - فضلا عن اللوحات، والأوبرا، والإنتاج المسرحي، والباليه. فكلها تمتلك خطابات تخبرنا سرا وعلانية شيئا عن الأجساد الأنثوية والذكورية، والرغبة الجنسية، والأدوار الجندرية. فأغنية رومانسية عن رجل رحل بعيدا تحتفي صراحة بالغيرية الجنسية؛ وتراجيديا تنوح على موت رب الاسرة الذي يكسب قوتها تمجد العائلة النووية التقليدية. تؤثر هذه الخطابات على طريقة تفكيرنا في عالمنا، دون أن تستجوب الافتراضات التحتية حول الجندر و الجنسانية.
تشجع تلك الخطابات الاختيارات المعتمدة حول العمل، والزواج، وإنجاب الأطفال من خلال إظهارها بأنها عادية ومجزية وإظهار ما تم رفضه على أنه يؤدي إلى"نهاية سيئة". تتجاوز نظرية الكوير الإنتاج الثقافي لفحص خطابات الجندر والجنسانية في الحياة اليومية كنصوص للتفكيك. في نظرية الكوير، الجندر والجنسانية "تأدية أدوار " - نحن نخلق الهويات أو الذوات عندما نفعل ونتفاعل مع الآخرين.
ما نرتديه وكيف نتحدث هي علامات وعروض للجندر والجنسانية. والذي نفعله اجتماعيا يخلقنا كنساء ورجال في مجموعة عرقية وطبقة اجتماعية ومهنة ودين ومكان إقامة معين، حتى لو حاولنا خلق أنفسنا كأفراد. درس منظرو الكوير ما إذا كان ارتداء جندر معين لملابس الجندر "الآخر" مثلا يخلق مساحة اجتماعية أكثر حرية أو يستنسخ الجندرية التقليدية. فالنساء والرجال، مثليي الجنس والمغايرين جنسياً وثنائيي الجنس، وأولئك الذين يلبسون ثياب الجندر الآخر لأجل عروض "الدراغ"، وحفلات الأزياء، والماردي غرا، ومسيرات الفخر للمثليين، وكذلك أولئك الذين يعيشون في حالة الجندر الآخر كلهم نصوص في الخطاب الجندري والجنسي ذاته. ما وجده المنظرون الكويريون ان الادوار الجندرية في كثير من الأحيان يُعاد انشاؤها بنفس الطريقة القديمة –أن المتخنثين يظهرون بملابس نسائية تماما وفقا للتقاليد الجندرية وان المتخنثات يردتين ملابس ذكورية وأن المرأة الملتحية التي ترتدي تنورة وكعبا عاليا لازلت تبدو وكأنها في عرض للسيرك ومحاطة بتحديقات الجموع في الشارع بوصفها خارجة عن الاتفاقيات الجندرية التي حددت مسبقا المعايير المقبولة وغير المقبولة اجتماعيا.
وفي حين تصب نسوية البنائية الاجتماعية جل اهتمامها على المؤسسات والهياكل، ولا تهتم بما فيه الكفاية بالإجراءات والسلوكيات الفردية، نجد أن لنسوية ما بعد الحداثة ونظرية الكوير عكس الاهتمامات تماما. في نظرية الكوير، كل التركيز على الذات الفاعلة، وإدارة الانطباعات، وأقنعة تقديم الذات والزي، من أجل انتاج /أو المحاكاة الساخرة من الانسجام والمطابقة الجندرية (مادونا هي من كبار مؤيدي ورموز الكويرية).
تهتم ما بعد الحداثة النسوية بشكل رئيسي بتفكيك الإنتاجات الثقافية، مهملة بشكل ملحوظ خطابات السيطرة والتقييد المتضمنة في النصوص التنظيمية والقانونية والدينية والسياسية. يمكن لتحليلات نسوية البنائية الإجتماعية للممارسات المؤسساتية التنظيمية التي تحافظ على النظام الجندري ان تتعاضد مع ما بعد الحداثة النسوية والنظرية الكويرية التي تركز على تفكيك تعامل الافراد مع الجندر أو تراجعهم عنه. تقول نسوية البنائية الاجتماعية إن النظام الاجتماعي القائم على الجندر يعيد تثبيت نفسه باستمرار من خلال العمل الفردي، ولكن نظرية الكوير تظهر كيف يمكن للأفراد بوعي وقصد خلق الفوضى وعدم الاستقرار في النظام الجندري، ما يفتح الطريق أمام التغييرات الإجتماعية. يمكن لنسوية البنائية الإجتماعية أن تظهر مواقع التناقضات البنيوية وخطوط الصدع التي من شأنها أن تقدم مواضع ضغط معينة يستغلها الأفراد والمنظمات والحركات الاجتماعيةلإعادة هيكلة طويلة الأمد ونظام اجتماعي أكثر عدلا ومساواة لجميع الناس. ثم سنجد (كويرين آخرين) يقومون بزعزعته من جديد!!.
وأخيرا تستجوب نسويات الثورة الجندرية المعارضة ثنائية. وتوظف هذه التيارات فئات أكثر من "الرجل" و"المرأة"، لأن كل فئة من فئات الجندر متشابكة مع فئات اخرى مثل العرق و الدين والطبقة الاجتماعية. الجنسانية أيضًا ليست ثنائية أو ثابتة. هناك ست جنسانيات على الأقل - امرأة مغايرة الجنس، رجل مغاير الجنس، مثليه، ومثلي، ثنائي الجنس، وثنائي الجنس وثنائية الجنس. هذه الحالات الجندرية الجنسيه تشمل مجموعة متنوعة من المشاعر والخبرات. الجنس البيولوجي ليس ثنائيا أيضا - اذ بالإضافة للذكور والإناث، يمكنك إضافة الخنثى والمتحولات والمتحولين. من الناحية الفسيولوجية، هناك تداخل في قوة العضلات والتحمل البدني - سلسلة متصلة وليس تقسيما حاسما الى ذكر وانثى.
يزعج الاعتراف بالفئات المتعددة أناقة قطبية الأضداد ويقوض افتراض أن فئة واحدة هي المهيمنة والاخرى تابعة او خاضعة، واحدة عادية والاُخرى منحرفة، واحدة ذات قيمة والثانية "آخر". تدعي نسوية الثورة الجندرية أن جميع الأوضاع التي تهيكل حياتنا مركبة اجتماعيا. وبالتالي، فمن الممكن أن يكون هناك اختلافات متعددة واختلاطات وتداخلات لكل ما يمكن للبشر اختراعه في السلوك والعلاقات العاطفية والجنسية، والهويات. تصبح سياسات الهوية أكثر تعقيدًا، لكن تتضاعف أيضا احتمالات الائتلافات ,والتحالفات السياسية.

تعليقات

المشاركات الشائعة