هل يمكننا أن نقول أن هذه (العودة الى نيتشه) عودة إلى الفردية؟

دومور: هل تعتقد أن هناك "عودة إلى نيتشه" في فرنسا اليوم؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا؟
 دولوز: من الصعب قول ذلك . ربما كان هناك تغيير، أو ربما أن التغيير يجري الآن، فيما يتعلق بوسائط الفكر التي كانت مألوفة جدا بالنسبة لنا منذ التحرير. وقد اعتدنا على التفكير جدليا(دياليكتيكيا)، من الناحية التاريخية. اليوم يبدو أن المد قد تحول من التفكير الجدلي نحو البنيوية، على سبيل المثال، فضلا عن غيرها من نظم الفكر. يصر فوكو على أهمية تقانات التفسير. فمن الممكن أن يوجد في الفكرة الفعلية للتفسير أمر قد يتجاوز المعارضة الجدلية بين "معرفة " و "تحويل" العالم. فرويد (مفسر) عظيم، وكذلك نيتشه، ولكن بطريقة مختلفة. فكرة نيتشه هي أن الأمور والإجراءات هي بالفعل تفسيرات. لذلك فإن التفسير هو تفسير التفسيرات، وبالتالي فإن تغيير الأمور هو "تغيير الحياة". ما هو واضح لنيتشه هو أن المجتمع لا يمكن أن يكون سلطة عليا(نهائية) . السلطة في نهاية المطاف هي خلق، فن: أو بالأحرى، يمثل الفن غياب أو استحالة وجود سلطة نهائية . يفترض نيتشه منذ بداية عمله أنه توجد نهايات "فقط أعلى قليلا" من تلك الخاصة بالدولة، من تلك التي للمجتمع. إنه يدرج ثقله بأكمله في بعد ليس تاريخيا، حتى أنه قد يفهم جدليا، وليس أبديا.
 هذا البعد الجديد الذي يعمل في الزمن وضد الزمن على حد سواء هو ما يسميه نيتشه (في غير أوانه untimely) . هنا تجد الحياة مصدرها بوصفها تفسيرا . ربما أن السبب في "العودة إلى نيتشه" هو إعادة اكتشاف ( في غير أوانه) ، هذا البعد الذي يختلف عن كلٍ من الفلسفة الكلاسيكية في تقريرها عن المؤسسة "الخالدة" والفلسفة الديالكتيكية في فهمها للتاريخ بوصفه عنصرا فريدا من الاضطرابات.
دومور: هل يمكننا أن نقول أن هذه (العودة الى نيتشه) عودة إلى الفردية؟
دولوز: نعم، ولكن النزعة الفردية الغريبة، حيث يعترف الوعي الحديث دون شك بنفسه إلى حد ما. لأن هذه الفردية عند نيتشه، تترافق بنقد حي لمفاهيم "الذات " و"الأنا". هناك نوع من انحلال الذات عند نيتشه. رد الفعل ضد البنى القمعية لم يعد يحدث، بالنسبة له، باسم "الذات" أو "الأنا". بل على العكس من ذلك، وكأن "الذات" و الـ "أنا" كانت متواطئة مع تلك البنى.
هل يجب أن نقول أن العودة إلى نيتشه تنطوي على نوع من الجمالية، التخلي عن السياسة، "الفردية" المسلوبة الشخصية بقدر ما أنها غير مسيسة؟ ربما لا. السياسة، أيضا، تقع في مجال التفسير. و(في غير أوانه)*، التي ناقشناها للتو، لا تختزل أبدا إلى العنصر السياسي ــالتاريخي. لكنها تحدث من وقت لآخر، في لحظات عظيمة، لحظات توافقية . عندما يموت الناس من الجوع في الهند، فإن هذه كارثة سياسية تاريخية. ولكن عندما يناضل شعب من أجل الحرية، نجد هناك دائما توافقا مرافقا من الأعمال الشعرية والأحداث التاريخية أو الأعمال السياسية، التجسيد المجيد لشيء سام أو مفاجئ. هذه المصادفات الكبيرة مثل انفجار عبد الناصر في الضحك عندما أمم قناة السويس، أو ايماءات كاسترو، ومقابلة تلفزيونية مع جياب. هنا لدينا شيء يذكرنا برامبو أو ضرورات نيتشه التي  تنطبق واحدة منها على  ماركس- ابتهاج الفن الذي يأتي تزامنا مع الصراع التاريخي.
هناك مبدعون في السياسة وتيارات إبداعية تستعد لتلك اللحظة في التاريخ. هتلر، على العكس من ذلك، يفتقر إلى أي عنصر نيتشوي. هتلر ليس زرادشت. وتروخيو أيضا. إنه تمثيل ما يسميه نيتشه "قرد زرادشت ". وكما قال نيتشه، إذا كان أحد يريد أن يكون "سيدا"، فلا يكفيه الوصول إلى السلطة. في أكثر الأحيان "العبيد" هم الذين يصلون إلى السلطة، وهو الذين يحتفظون بها، وبذلك يبقون عبيدا.
السادة وفقا لنيتشه هم ( في غير أوانه)، أولئك الذين يخلقون، الذين يحطمون في أجل أن يخلقوا، وليس  من أجل أن يحافظوا على ما بين أيديهم. يقول نيتشه إنه في ظل أحداث هائلة مزلزلة هناك أحداثا صامتة صغيرة، وهو ما شبهه بخلق عوالم جديدة: هناك مرة أخرى ترى الوجود الشعري تحت التاريخي. في فرنسا، على سبيل المثال، لا توجد أحداث مزلزلة الآن. ولكنها هناك بعيدة ومروعة، في فيتنام. وبالرغم من ذلك لا يزال لدينا أحداث غير محسوسة صغيرة، ربما تعلن خروجها من صحراء اليوم. وربما أن العودة إلى نيتشه هي واحدة من تلك "الأحداث الصغيرة" وربما إنها بالفعل إعادة تفسير العالم.
من مقابلة مع دولوز عام 1967.
______________________
 *(في غير أوانه)  مصطلح نيتشوي  وعنوان أحد كتبه (تأملات في غير أوانها) وقد وظفه دولوز  ضمن فلسفته عن  التاريخ.  يبدو  توظيف  جيل دولوز  للمصطلح ليس فقط خروجا عن / ولكنه اختلاس منتج لمصطلح  نيتشه، وعلى هذا النحو  يصبح المصطلح اشارة الى زمن جديد يوشك أن يأتي. ومن خلاله يتقصى دولوز  كيف أن نيتشه شخص التدهور الأوروبي في ظهور "الثقافة التاريخية الحديثة " و "التاريخ كعلم موضوعي".  يحدد نيتشه  ثلاثة أنواع من التاريخ التي تشكل العلاقات سواء في صالح الحياة أو في غير صالحها: التاريخ  التذكاري والتاريخ الأثري والتاريخ النقدي. تفاعل دولوز مع تحليل نيتشه للتاريخ  و(في غير أوانه )  يمكن  فهمه لأن  فلسفة التاريخ  عند  دولوز ليس فقط أكثر من نقد التاريخانية السطحية، ولكن أيضا  جزء أساسي من فلسفته العامة عن الزمن.
**************
أماني أبو رحمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة