"مفارقة التعبير": ميرلو- بونتي وفلسفة المرئي واللامريئ (3/3)

"مفارقة التعبير": ميرلو- بونتي وفلسفة المرئي واللامريئ (3/3)

أماني أبو رحمة

في عام 1960، أي العام الذي سبق وفاته والوقت الذي كان يعمل فيه على )المرئي واللامرئي(، كتب ميرلو-بونتي  مقدمة كتاب) L'Oeuvre de Freud ( لمؤلفه انجيلو هزنار، بناءً على طلبه. تكشف هذه المقدمة، التي تحمل عنوان (الفينومينولوجيا والتحليل النفسي)، عن أوجه التشابه التي حددها ميرلو-بونتي  بين عمله وعمل فرويد. يرفض ميرلو-بونتي الجوانب السببية للنظرية الفرويدية، لكنه يرى في توجه فرويد نحو الفعل والخبرة  البشرية تشابها ذي مغزى مع أفكاره. يركز نقد التحليل النفسي على وسائل التعبير التي يوظفها فرويد. وتأتي كراهية نظريات فرويد إلى حد كبير، كما يقترح، من سوء فهم العمل بسبب هذه الإخفاقات في التعبير.  يقتنع ميرلو-بونتي "[...] أن التحليل النفسي يستند إلى فكرة يتم التعبير عنها بشكل غير مباشر للغاية في بعض المفاهيم الفرويدية". وهو يربط  هذا التوظيف "للصور البدائية" بأصول التخصص في العلوم الطبية.  ويرى إن وضع التحليل النفسي  المتنامي كـ "أيديولوجية [...] عنصرا من عناصر ثقافتنا" يتطلب لغة أكثر تطوراً.

يدعي ميرلو-بونتي أن "عبقرية فرويد ليست تعبيرًا فلسفيًا أو شاملًا؛   إنها تكمن في اتصاله بالأشياء وإدراكه لتعدد  أشكال الأعمال، والأفعال، والأحلام، وتدفقها وارتدادها، ومن الانقلابات المضادة، والصدى، والاحلال، والتحولات. فرويد هو سيد الاستماع إلى ضوضاء الحياة المشوشة". ومع ذلك، فإن اللغة التي تصوغ هذا" الحدس الهائل للتبادل - تبادل الأدوار، تبادل الروح والجسد، الخيالي والواقعي - هذا الاختلاط العام [...] يؤدي إلى سوء فهم  بين فرويد والقارئ المتسرع".

يقرأ ميرلو-بونتي دقة الإدراك الحسي عند فرويد، قوة "الحدس"، الحس الداخلي والانفتاح، على ما يبدو، على التحول أو "التشوش الشامل" الذي يشكل قلب "فلسفة الغموض" الخاصة به. يقترح ميرلو-بونتي أنه من الممكن بل من الضروري قراءة فرويد خارج النهج العلمي أو الوضعي، فضلاً عن كون ذلك مهمًا بالقدر نفسه لإنقاذ التحليل النفسي من براثن المثالية. ويزعم أن تهديد المثالية يزداد خطورة حين يصبح النهج أكثر مؤسسية: "يجب أن نسأل أنفسنا،" ما إذا كان من الضروري للتحليل النفسي - أعني لوجوده كعلاج ومعرفة يمكن التحقق منها - أن يبقى، ليس بالضبط مشروعًا سيئ السمعة أو علمًا سريًا، ولكن على الأقل تناقضا واستجوابا [...]، التحليل النفسي هو الذي أعاد لنا أساطيرنا. فماذا سيحدث  إذا أخذ أبو الهول المروض مكانه بهدوء في فلسفة التنوير الجديدة؟ "

 مرة أخرى، يبدو أن ما استخلصه ميرلو-بونتي  من فرويد هو شيء يقترب من "التناقض" أو "الأسطورة"، وهو شيء رغم أنه قد يكون "معرفة يمكن التحقق منها" إلا أنه مهتم بشيء أكثر غموضًا من "التنوير".

إن ما يحدده ميرلو-بونتي، أخيرًا، على أنه التحالف بين عمله والتحليل النفسي هو محاولة مشتركة لمقاربة معنى ليس مثاليًا بل تجريبيًا، وليس مفترضًا أو موحَّدًا، ولكنه ناشئ، ومتحول ورمزي بعيد المنال. كلناهما  طريقتان تقرءان الجسد والتجربة الجسدية - ليس "الجسد المفيد والوظيفي والنثري" بل بالأحرى "الجسد البشري الذي يعيد اكتشاف وزنه الرمزي أو الشعري". بعبارة أخرى، لا يُقرأ "الجسد" بقدر ما يُقرأ "اللحم"، وهو الموقع الذي يلتقي فيه المرئي المادي مع "الوزن" غير المرئي للمعنى. لأنه كما رأينا، يشير اللحم عند ميرلو-بونتي إلى أكثر من الوزن المادي للجسد، إنه نمط معين من الكينونة، وشكل وبنية ليس فقط للواقع المرئي ولكن أيضًا للامرئي. يبدو أن ما يقترحه ميرلو-بونتي  هو نوع من الأعراض الفينومينولوجية. قراءة لأسطح هذا العالم التي تؤدي إلى توضيح "عالم على هامش العالم الحقيقي ومضاد له، تاريخ معاش تحت التاريخ النافذ - عالم يُسمى الإضطراب".

إن هذا الانجذاب إلى العالم "على الهامش" هو ما يحدده ميرلو-بونتي باعتباره الأساس الذي يربط بين فكره وفكر فرويد: "إنه بسبب ما تشير إليه الظواهر أو تكشف عنه كحدودها - من خلال محتواها الكامن أو اللاوعي - الذي يتوافق مع التحليل النفسي [...] - فإن الفينومينولوجيا والتحليل النفسي ليسا متوازيين؛ بل الأفضل بكثير، أن نفهم أن كليهما يستهدفان الكمون والاستتار ذاته".

ومع ذلك، أود أن أقترح أن فكرة ميرلو -بونتي  حول كيف وأين قد يكون هذا "الكمون والاستتار" أو اللاوعي، يعيد تشكيل مفهوم فرويد له. كما رأينا، بالنسبة لميرلو- بونتي، "الإدراك هو اللاوعي".   وفي الحقيقة  إن "ما يتوجب فهمه في "ما وراء الأشخاص" هو الوجودانيات التي نفهم وفقها الاشخاص والتي هي المعنى المترسب لكل تجاربنا الارادية واللا ارادية. وهو هذا اللاوعي الذي علينا أن نبحث عنه، ليس في أعماقنا  ووراء ظهر "وعينا"، وإنما أمامنا بصفته تمفصلا لمجالنا. إنه "لا وعي" لأنه ليس موضوعا، وإنما هو ما به تكون موضوعات معينة ممكنة، إنه الجمهرة التي نقرأ بها طالعنا. إنه بين الموضوعات شأن ما تكون بين الأشجار المسافة الفاصلة التي بينها، أو كأنه مستواها المشترك، إنه الشركة الاصلية لحياتنا القصدية  وهو تداخل الآخرين وأيانا وتداخلنا واياهم".  بالنسبة إلى ميرلو-بونتي، هناك انزلاق بين الرؤية والعالم واللاوعي؛   يتحدون جميعًا في اللحم، حيث يلتقي الجسد  الحسي،  أو كما يطلق عليهaesthesiological، بالجسد الليبيدي، الجسد النفسي لفرويد.

يقول ميرلو-بونتي في (ثيمات من محاضرات في الكولوج دوفرانس، 1970): "فالجسد الذي يمتلك الحواس هو أيضًا جسد له رغبات وبالتالي يتوسع علم الحواس إلى نظرية للجسد الليبيدي. يتم تصحيح المفاهيم النظرية للفرويدية وتأكيدها بمجرد فهمها  من حيث الجسدية التي تفهم بدورها ، كما تقترح ميلاني كلاين، من حيث البحث عن الخارجي في الداخل والداخلي في الخارج، أي  قوة عالمية وكونية للإندماج".

أعتقد أن هذا الاندماج العالمي  هو الذي ينتج إحساس الغرابة الذي يظهر عند ميرلو-بونتي. يسمح لنا ميرلو-بونتي  بإعادة قراءة ما وراء تصور فرويد الشهير لمصطلح الغريب أو غير المألوف unheimlich. يأخذ ميرلو-بونتي جميع عناصر فرويد عن الغريب ويعطيها ملمسًا جسديًا. هذا مرة أخرى هو جزء من "الجانب الأكثر صعوبة" في أنطولوجيا ميرلو-بونتي الذي يتضمن علاقة الفكرة باللحم. ولكن "أيا كانت الطريقة التي نتوصل بها أخيرا إلى فهم هذه العمومية المحدثة، فإنها تنتشر مقدما في مفاصل الجسد، وفي حواشي الأشياء الحسية، ومهما كانت جديدة، فإنها تتسرب عبر سبل تشقها وتجلّي آفاقا لم تفتحها". الأفكار هي تلك المفاهيم " التي لا مثيل لها والتي لا تواصل في ليل الفكر حياتها السرية إلا لأنه قد تم كشفها في مفاصل العالم المرئي".

هذا الجمع بين "ليل الفكر" و "العالم المرئي" من خلال الجسد يعيد التوفيق بين القطبين المفاهيميْن، وفي مقاربتها الآن من خلال شكل اللاوعي والإدراك، فإنه يكشف بسهولة أكبر عن الطرق التي قد يستحث بها إحساسًا بالغرابة.

يصف فرويد الغريب بأنه "ذلك النوع من الرعب والهلع  الذي يرجعنا إلى ما كان معروفًا قديمًا ومألوفًا لفترة طويلة."  في محاولة لفهم الغريب بشكل أكبر، يستخدم فرويد أيضًا وصف شيلينغ للمصطلح بأنه يشير إلى "كل ما يجب  بالضرورة  أن يبقى سرا ومخفيا لكنه ظهر".

إن عودة ظهور المستور في (غريب) فرويد هو عودة ظهور ما كان قد تحول إلى لا وعي، بمصطلحات النفس أو المعتقدات الثقافية. وهو يدعي أن "لغريب يعيد المرء إلى المفهوم القديم الروحاني للكون. تميز هذا المفهوم بفكرة أن العالم كان مسكونا بأرواح البشر، وبمبالغة الذات النرجسية في تقدير  عملياتها العقلية؛ وبالإيمان بالقدرة المطلقة للأفكار وتقنية السحر القائمة على هذا الايمان[...]؛   وكذلك بكل  المخلوقات الأخرى التي سعى الإنسان بمساعدة منها، في النرجسية غير المقيدة لتلك المرحلة من التطور، إلى درء ظهور الممنوعات للواقع".

الغريب بالنسبة لفرويد، في أحد مظاهره الرئيسية، هو الفكرة النرجسية الأساسية التي ترى أن الأفكار والوعي وقوة العقل قد يكون لها أي تأثير أبعد من /أو خارج عقل الذات الفردية. ومن المثير للاهتمام، أن هذه المفاهيم على وجه التحديد، التي رفضها فرويد باعتبار أنه قد عفا عليها الزمن، هي التي يتبناها ميرلو-بونتي، لأنها بالنسبة له تصف طبيعة الخبرة الحسية قبل الإدراك المعرفي.

وهكذا، حتى في أكثر لحظاتها مادية، تتبنى فلسفة ميرلو-بونتي جوانب من الغرابة. وما أجده مثيرًا للاهتمام هنا هو الطريقة التي يتحول بها مفهومنا عن الذاتية والوعي في ما يقترحه ميرلو-بونتي . الوعي هنا هو قوة لها تأثير خارج حدود الجسد. لا يتعلق الأمر فقط بأني أستطيع أن أتخيل أن أكون في مكان آخر، ولكن هناك تبادل فعلي للخبرة الحسية. ذلك الذي ربما يكون ما نطلق عليه التخاطر.

في (رؤوس الأقلام) في (المرئي واللا-المرئي )، يربط ميرلو-بونتي التخاطر بما يسميه "السحر في التحليل النفسي (اللاوعي)". وبشكل حاسم، يذهب مرة أخرى لربطه بالرؤية. يأتي مفهوم التخاطر من حقيقة أن "إن التباينات الجسدية[....] هي نقطة ملتقى اللذاته وللآخر. أن يكون لك جسد هو أن تكون منظورا إليك، ليس ذلك فحسب، بل أن تكون مرئيا. ههنا، الإحساس بالتخاطر وبالتخفي = حيوية في القراءة الخاطفة لنظرة الآخر". في ملاحظة لاحقة، يوضح: "إدراك جزء من جسدي هو أيضًا إدراكه كمرئي، يعني ككائن  للآخر." ثم يقول: "لكن واقعة حضور الآخر تلك لن تكون ممكنة هي ذاتها إذا لم يكن الجزء من الجسد المعني مرئيا مسبقا وإذا لم تكن قد وجدت حول كل جزء من الجسد "هالة من المرئية".إنها حضور المداهم والكامن أو المتخفي".  هذا الحضور للكامن، هذه الرؤية من حيث المبدأ، هو ما يؤدي إلى ما نسميه خبرة التخاطر.

" نحن نشعر بأنه ثمة من ينظر إلينا (الرقبة الساخنة)، ليس لأن شيئا ما ينتقل من النظر إلى جسدنا ليحقنه في النقطة المنظور إليها، ولكن لأن الإحساس بالجسد هو كذلك احساس بمرآة لدى الآخر. يجب أن نبحث هنا بأي معنى  يكون إحساس الآخر متضمنا في احساسي". بالنسبة لفرويد، فإن الإحساس بالتخاطر يأتي من تخيل شخص آخر تتجه نظرته إلى الذات، والذي يشعر بتأثيره في أعماق اللاوعي. وفي حين أنه يناقش التخاطر فيما يتعلق بالغرابة، يتم وصفه على أنه أثر متبقي في اللاوعي لحالة عقلية سابقة بدلاً من جانب خارجي للإدراك. على النقيض من ذلك، بالنسبة إلى ميرلو-بونتي، ينبثق  التخاطر من حقيقة رؤية قبلية تحيي وجود الذات والآخر والعالم؛   إنه نتيجة لحقيقة أن الوجود يتم تعريفه من خلال طي تلك الرؤية على نفسها.

مرة أخرى، نرى ميرلو-بونتي  ينقل ما نفهمه على أنه اللاوعي إلى عالم الوعي الإدراكي. كما رأينا، فإن هذا الجمع بين هذه المفاهيم المتباينة داخل أنطولوجيا اللحم هو الذي ينتج مفهومًا جديدًا للوعي. لا تؤدي قراءة ميرلو-بونتي إلى إحساس الغرابة الفرويدية فحسب، بل تُصبح هذه الغرابة مركزية في الانطولوجيا الخاصة به؛  "كل ما يجب أن يبقى سرًا وخفيًا" يصبح متخارجًا، متغلغلا في المرئي. إن السمات الأولية أو الروحانية التي تم إنزالها إلى اللاوعي بالنسبة لفرويد، هي بالنسبة إلى ميرلو-بونتي  ظاهرة حية، ليست في المقام الأول "مخفية" ولكن موجودة بالفعل في العالم. يقتحم اللامرئي، اللاوعي، الفضاء الذي يتجاوز التمثيل، مستوى المدرَك.

مقاربة ميرلو-بونتي  الفينومينولوجية هي، بطريقة ما، فلسفة متأخرة. "كانت موجودة كحركة قبل أن تصل إلى الوعي الكامل بنفسها كفلسفة". كما أنها تحمل  في صميمها بنية التأخير، والاضطرار إلى إعادة الاتصال بخبرة تم نسيانها. إنها "فلسفة يكون العالم فيها " موجودًا بالفعل "قبل أن يبدأ التفكير". لكن عمل الاسترداد هذا، بعيدًا عن أنه يشكل تراجعًا أو تكرارًا، يتم تفعيله بشكل متناقض من خلال فعل التعبير الإبداعي. أخيرًا، هذا الإحساس بالخبرة غير القابلة للتمثيل، هو الذي يوجد مسبقًا الفهم ومع ذلك يكافح من أجل الظهور في شكل فعال من التعبير، والذي يحفز الإحساس بالغربة. لا يُفهم الغريب هنا على أنه مجرد ظاهرة غريبة في اللاوعي بل جانب حيوي من تفاعلنا مع العالم كإدراك للذات. الغرابة متطابقة مع اللحم، وهذا النمط نراه يظهر "كضرورة تنشأ من [...] الإدراك". وهكذا يبث ميرلو-بونتي  الحياة في الغرابة الفرويدية، مما يجعلها واقعا، ويكسوها لحما.

تعيدنا هذه المناقشة للعلاقة بين المرئي واللا مرئي في التعبير إلى تنظير ليوتار عن "غير القابل للتمثيل" فيما يتعلق بالحداثة وما بعد الحداثة حين يقول: "سأسمي الحداثة الفن الذي يكرس" خبرته الفنية الضئيلة "[...] لتقديم حقيقة أن غير القابل للتمثيل موجود".

على النقيض من ذلك، فإن ما بعد الحداثة هي التي تعرض ما لا يمكن تمثيله في العرض نفسه؛ ذلك الذي ينكر على نفسه عزاء الأشكال الجيدة، إجماع الذوق الذي يجعل من الممكن المشاركة بشكل جماعي في الحنين إلى ما لا يمكن بلوغه؛ الذي يبحث عن عروض تقديمية جديدة، ليس من أجل الاستمتاع بها ولكن من أجل إضفاء إحساس أقوى بما لا يمكن تمثيله.

يمكن قراءة ميرلو-بونتي، في هذا المخطط، على أنه ما بعد حداثي، لكن من المهم ملاحظة عناصر ما يسميه ليوتار "الحداثية" المتبقية. إن وصف ليوتار لفعل الابداع ما بعد الحداثي الذي يعمل فيه الفنان والكاتب دون قواعد من أجل صياغة قواعد ما سيتم فعله، يعكس بالتأكيد وصف ميرلو-بونتي للفنان الذي يبني نفسه، ويبتكر طرقًا للتعبير، وينوع نفسه وفقًا لمعناه الخاص. ومع ذلك، بالنسبة لميرلو- بونتي، فإن "وحدة الوعي" لا "تتضرر بشكل خطير" من خلال إعادة الصياغة هذه بالطريقة التي يتصورها ليوتار. بدلا من ذلك، فإنه من خلال عملية إعادة ابتكار إبداعية بالتحديد يُظهر الوعي بعض المنطق التنظيمي المتأصل؛ إنها "[تنوع] نفسها وفقًا لمعناها الخاص"، "حتى لو كان الوصول النهائي لهذا المعنى، كما في وصف ليوتار لبروست،" مؤجلًا باستمرار". وهكذا يحتفظ ميرلو-بونتي بإحساس ما بـ" العزاء أو المتعة" بالإضافة إلى السعي نحو نقل "إحساس أقوى بما لا يمكن تمثيله". التقارب بين الأفكار غير القابلة للتمثيل والتمثيل ممكن من خلال طبيعة الوعي المتجسد، الذي تُرادف ادراكاته الجسدية الفكر. وهكذا، في التعبير، يتم توصيل غير القابل للتمثيل من خلال إعادة البناء الإبداعي للشكل المادي: يتم إعطاء معنى الكتاب، في المقام الأول، ليس من خلال أفكاره بقدر ما يتم من خلال تغيير منهجي وغير متوقع لأنماط اللغة أو السرد أو الأشكال الأدبية القائمة. الفكرة ليست شيئًا موجودًا في حد ذاته، بشكل منفصل عن عالم المظهر، ولكنها شيء يتم إنشاؤه داخل الإدراك، وينبثق من ارتباط العناصر المحسوسة والمدركة. ما هو غير قابل للتمثيل يسكن مخطط التمثيل، سواء كان حاضرًا لنا أو لا يمكن الحصول عليه، وحين يصبح معروفًا لنا بشكل غير مباشر  نفهم ما الذي تعنيه بالضبط فكرة أن الحواس أكثر صدقًا من التفكر.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة