جاك دريدا: تفكيك الذات بالديفرانس
جاك دريدا: تفكيك الذات
بالديفرانس
أماني أبو رحمة
أماني أبو رحمة
فكك عمل جاك دريدا الذات من خلال تحليل اللغة. ويختلف دريدا عن لاكان في أنه لا يركز على العمليات
النفسية لاكتساب اللغة، ولكن بدلا من ذلك على
الطبيعة المنقسمة والإدعائية للغة
نفسها. وفقا لدريدا، ليس لأي مصطلح هوية في حد ذاته. تم تأسيس هويته من خلال
علاقته بجميع المصطلحات الأخرى، التي ليس لها هوية إيجابية في حد ذاتها. فالاختلافات
بين هذه المصطلحات هي التي تشكل هوياتها: وإمكانيات الاختيار والجمع بين المصطلحات
(الاستعارة و الكناية في مصطلحات جاكوبسون )، هي ما يحدد المعنى و القيمة اللغوية
لجميع المصطلحات. تعمل مصطلحات "الهوية" و"الإختلاف" فقط بسبب
هذا الاختلاف اللغوي. يلعب دريدا على "الإختلاف" من داخل الإختلاف نفسه.
الإختلاف، من ناحية، الذي يعمل بوصفه سلبا، عكس الهوية في النظام الثنائي، ومن
ناحية أخرى، الذي يعمل لتمثيل االحركة العملية أو السيرورة / المفهوم الذي يسبق
منطقيا الأزواج الثنائية. إنه يتجاوز النظام الثنائي.إنه تلك البقية التي تركت بسب
الاستقطاب أو أنها لم تمثل فيه. نحن هنا أمام اختلافان: اختلاف يتسبب في المعنى
والهوية واختلاف هو عكس الهوية تماما في النظام الثنائي. يميز دريدا الإختلاف
الأول عن الثاني بتوظيف مفردة جديدة، ابتكرها حصرا، وهي الديفرانس Différance في حين أننا سنحتفظ
بمفردة الإختلاف difference للإشارة إلى نقيض
الهوية. الديفرانس هو الاختلاف بين الاختلاف والهوية. هو شرطهما وتجاوزهما معا،
وأساس امكانيتهما، وهو أيضا التمزيق العنيف غير المقبول لحدودهما المزعومة. الديفرانس
هو واحد من المصطلحات التي طورها دريدا لتسليط الضوء على الحدود العدوانية للتفاوت
المفاهيمي بين الفلسفة والكتابة. الديفيرانس هو الاسم الذي اطلقه دريدا على اللعب
المادي للقوى المنتجة لجميع الهويات. يظهر التسلسل الهرمي الميتافيزيقي منظما بشكل
تعسفي، وبالتالي قابلا للتغيير. وبالمثل، في حين أن الكلام قد منح أولية واعتبر
بدئيا مقارنة بالكتابة التي كانت مجرد الجهاز التقني لتسجيل الكلام وحفظه، فإن
الكلام والكتابة، على حد سواء، يمكن أن ينظر إليها بوصفهما محكومين بقوانين
الكتابة، لا الكلام. يمكن أن تحتل الكتابة أيضا المركز الأساسي، والكلام يصبح
بالتالي اشتقاقها. ولكن تخيل أن هذه الرؤية قد تطيح بنظام المعارضات الثنائية من
أساسه، سيقلل من شأن القوة القسرية والعنف الذي شكل تاريخ التمركز حول اللوغوس.
فالمصطلح الذي منح الامتيازات في النظام الثنائي مارس تاريخيا قوة تحريضية قهرية
على أنظمة تفكيرنا المعاصرة. ولكن دريدا يوضح أن تلك الضرورة التاريخية ليست ضرورة
منطقية. فتلك القيم قابلة للعكس التعسفي والتحول السياسي. وبوصفها ضرورة تاريخية،
فإن المصطلحات المميزة تفرض قوتها على التفكيك نفسه، الأمر الذي يفترض ضمنا،
بالتالي، تفكيكا ذاتيا. تفكيك التفكيك. تفكيك لا نهاية له.
يخدم مصطلح الديفرانس أغراضا عديدة. إنه
يشير إلى أسبقية الكتابة مقابل الكلام (لا يمكن سماع 'a' في Differance، ولكها تكتب وتقرأ فقط )؛ كما أنه يبشر بأولوية الغياب على الحضور
('a' لها معنى فقط بالإشارة
إلى(e) الغائبة او المستبدلة
الآن التي تفترضها وتلعب بها )؛ وأولوية المادية على المفاهيمية('a' هي الأثر المادي وحده،
والفرق المادي بين'a' و 'ُe' كونها كل ما يميز
الإختلاف بوصفه المعارضة، والاختلاف كشرط مسبق للمعارضات). وبالتالي فإن الديفرانس
هو شرط التمركز حول اللوغوس، الذي يسعى إلى إنكاره أو التنصل من لعبته التخريبية؛
ولكن الديفيرانس يهدد في كل لحظة بتقويض
أو تجاوز التمركز اللوغوسي.
الإختلاف
Difference مصطلح مشتق من اللاتينية
differre وله معنيان في الفرنسية
والإنجليزية؛ to differ و to
defer. يشير المعنى الأول إلى حركة مميزة ومفهومة
مكانيا. ويشير الثاني إلى حركة تأجيل أو تريث في الزمن[1].
يشير المصطلح إلى الاستحالة التأسيسية
لهوية متماسكة في المكان أو بمرور الزمن - استحالة الهوية المكانية والزمانية؛
يكتب رونز: "أن تختلف... هو أن
تتزمن، أن تتريث أو تماطل، أن تأخذ مدة، بوعي أو دون وعي، عند منعطف أو التفافة في
الوسيط الزمني، منعطف يعلق انجاز أو تحقيق "رغبة" أو "إرادة"
ويؤثر بالقدر نفسه على هذا التعليق في
صيغة تلغى أو تزعج تأثيره الخاص....والمعنى الآخر لأن تختلف هو أكثر شيوعا؛ أن
تكون غير متطابق، أن تكون آخرا، قابلا للتميز... الخ. فاصل زمني، مسافة، مباعدة
يجب أن تُنتج بين العناصر... ويتم إنتاجها بمثابرة في التكرار"[2].
تأسست الفلسفة على نبذ الدال وبالمقابل
الإعلاء من قيمة (المدلول) بوصفه (المفهوم الخالص)؛ المطلق؛ بلا وسيط. وصف دريدا
هذه الفكرة بالعبارة المتناقضة (المدلول المتعالي أو المتجاوز(transcendental signified). وفي رفضها الإعتراف
باعتمادها على الدال، على اللغة، والكتابة، تمكنت الفلسفة من تمثيل نفسها بوصفها
تُحكم بالأفكار، والمفاهيم أو المدلولات التي تتعالى على /وتتجاوز مادية أكثر دونية. ولكن حين نسيت الفلسفة
اعتمادها على اللغة، فقدت شيئا في هذا التاريخ : إن الميتافيزيقا، الرغبة في حضور المعرفة، هي جيش
متحرك من المجازات والإستعارات والكنايات التي نسيت أنها مجازية، وانكرت استثماراتها في علاقات السلطة، ورأت نفسها نقية
خالصة. في (الأساطير البيضاء) من
(هوامش الفلسفة) يقول دريدا: "الميتافيزيقا - الميثولوجيا البيضاء التي تعيد تجميع /وتعكس ثقافة
الغرب: يأخذ الرجل الأبيض أساطيره،
الأساطير الهندو-أوروبية، شعاراته الخاصه،
بمعنى، ميثوس لغته أو عباراته الإصطلاحية، لشكل كوني؛ لذلك الذي يتمنى أن يطلق عليه العقل. ولكن ما لا يمر دون جدال: الأساطير البيضاء - لقد محت الميتافيزيقا في داخلها نفسه المشهد الرائع
الذي أنتجها، المشهد الذي لا زال نشطا ومؤثرا، منقوشا بالحبر الأبيض، تصميم غير مرئي مغطى على رق ممسوح "[3].
وبانكار انغماسها في مادية اللغة، تعتبر
الفلسفة نفسها غير متحيزة، وغير ذات مصلحة، وغير متأثرة بموقعها التاريخي
الخاص، ونصيتها وصيغها في الاستبعاد والإدراج، ومع ذلك فإنها تظل معتمدة
على عدم الدقة اللغوية، الغموض، والمجازات، والاستعارات، والكنايات، لا يمكن لأي
منها أن يزول لمجرد أن الفلسفة تريد ذلك.
الفلسفة غير قادرة على قبول وجودهاكسيرورة(عملية) مادية محاطة بـ/ وتعتمد على ممارسات مادية
واجتماعية وخطابية أُخرى. وهي غير قادرة على الاعتراف بتورطها في أنظمة
العنف والإكراه والنضال التي شكلت ولا زالت تشكل تاريخ المعرفه.
يعمل مفهوم الذات كأساس لادعاءات اللغة
حول نفسها وعملياتها وأصلها. تتشكل الذوات
باللغة وفي تشكيلها على هذا النحو تساهم في/ وتواصل الغموض اللغوي للديفرانس. في تعليقه على مشروع "الغراماتولوجي" (دراسة
تاريخ النحو، أو لاختلاف)، يبين دريدا كيف أن
مشروعه وفهمه للغة هو تخريب للإنسانوية، والمعرفة العلمية، والأشكال الخطية
للعقلانية. الديفراس، كما يأمل، يعرض طرقا جديدة للتفكير: "جمعية الأبعاد "، "غير
خطية"، وبالتالي ثورية في مفاهيمها عن الإنسانية.
[1] ينظر: Elizabeth Gross, “Derrida and the Limits of
philosophy”, Sage Publications, Thesis Eleven, 1986; 14; 26, p:32-33.
[3] White Mythology: Metaphor in the Text
of Philosophy", Margins of Philosophy. (University
of Chicago Press, 1982), p.213.
تعليقات
إرسال تعليق