مقابلة مع اليزابيث غروس


مقابلة مع اليزابيث غروس[1]
أجرى اللقاء: ماغدا غودا لوب دوس سانتوز[2]، باولو سارتوري[3]، سيرجيو مريلو رودريغنز[4]
 ترجمة: أماني أبو رحمة

نود أن نشكرك، استاذة غروس، على مشاركتك الجميلة في هذا القسم من ملف (التفكيك والغيرية) الذي تصدره مجلة سابيريا اود، قسم الفلسفة في جامعة: Pontifícia  Universidade Católica de Minas Gerais، البرازيل. متعة حقيقة بالنسبة لنا ان نكون قادرين على اجراء حوار فلسفي معاصر وحيوي مع فكرك.



سابيريا أود[5]: تستحضر العلاقة بين التمركز حول اللوغوس والبنية الثنائية الارتباطات التي تعطي قيمة لبعض المصطلحات، وتهمش بالضرورة مصطلحات أخرى، وتشكل أزواجا من الأضداد، مثل الحضور والغياب والإيجابي والسلبي، إلخ. في تكوين هذا الشكل المزدوج من التفكير، أشرت في مقالتك "دريدا وحدود الفلسفة، 1986 "[6] إلى أن تاريخ التمركز حول اللوغوس منذ دريدا هو طريقة لتأكيد كيف أن "التمركز حول اللوغوس قد فكك نفسه في نصوص بعينها " (1986، ص 28). من جهة، إذا كان "التفكيك هو بالتالي ليس الهدم النقدي لمركزية اللوغوس، ولا هو كذلك مجرد محاولة "لتصحيحها": كلا البديلين مستحيل. نهاية الميتافيزيقا "هي ببساطة مفهوم "ميتافيزيقي" آخر. لا يمنح التفكيك عمقا لسطحية الميتافيزيقا، ولا فهما تفصيليا لثغراتها، " من جهة أخرى، "هدفه، أي التفكيك، أكثر انتقائية؛ استكشاف حدود تسامح هذه النظم الميتافيزيقية، والضغط عليها حد نقطة تحطيمها ". وعند ربط هذا التحليل بالنقد النسوي - كما فعلت في الصفحات 38 وما يليها  من الدراسة – قلت  إن التفكيكية قد غير بشكل جذري البنية المنطقية للفلسفة كما الدور الذي تلعبه الحركة النسوية منذ ذلك الحين. في هذا الصدد، هل تعتقدين أن مصطلح (الديفيرانس)الذي يستخدمه دريدا لا يزال مهمًا في الوقت الحاضر لتأهيل مختلف المنظورات النسوية الحالية؟
إليزابيث  غروس: بالتأكيد، أعتقد أن عمل دريدا لا يزال ذي صلة بالنسوية، وربما أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى. وبطريقة مماثلة، فإن عمله أمر حاسم لأي قراءة نقدية لتاريخ وحاضر الفلسفة نفسها، والتي استقت منها النظريات النسوية العديد من المفاهيم ووجهت لها العديد من الانتقادات أيضا. في رأيي - وهذا بالتأكيد ليس موقفا مهيمنا أو رئيسيا في النظرية النسوية – يبقى مفهوم الاختلاف،  الذي اخترعه فرديناند دي سوسير عند تأسيسة اللسانيات البنيوية منذ قرن، وتطور في اتجاهات مختلفة جدا في عمل جاك دريدا ولوس ايريغاري وجيل دولوز وفيليكس غواتاري (وآخرين) المفهوم الفلسفي الأكثر أهمية في الفكر النسوي اليوم. بدون مفهوم الاختلاف الذي يُعقد ويُؤكد ويُمشكل جميع أنواع مفاهيم الهوية، فستعود الصراعات السياسية والمشاريع الفلسفية إلى مفاهيم الهوية والفردية والوعي المعطاة على ما هي عليه، الأمر الذي أظهر دريدا (وآخرون ) بشكل مقنع أنها لا يمكن ان تكون معطاة ولكن يجب أن يتم ابتكارها وإنتاجها، وهذا بدوره يولد أشكالا من السلطة وطرق الاخضاع. بالكاد تم التفكير في الاختلاف، حتى بعد قرن من تسميته على هذا النحو. عندما يمكن التفكير في هذا المفهوم، فإن علاقاته بـ"هوية" المرء كرجل أو امرأة، كمهاجر أو أصلاني، كبرجوازي أو عامل لا بد أن تحول فهمنا للسياسة والديمقراطية والتفكير بحد ذاته.
2. سابيريا أود: كيف تدمجين - أو تحاولين تأسيس مستوى علائقي، حتى لو كان خارج البنية الثنائية – مفاهيم الجوهرية Essentialism والتفكيك Deconstruction؟ هناك بعض الفلاسفة الذين لا يرون التفكيك كحل نهائي للمطالب النسوية. ومع ذلك، لا يتم تسليط الضوء على اختلاف وجهات النظر في الحركة النسوية من خلال الاهتمام بالتحاور والتداخل، ولكن بالأحرى من خلال المعارضة التي يتردد صداها بطرق مختلفة. من دروسيلا كورنيل إلى ماك كينون، ومن روبين ويست إلى ديبورا رود، لتسمية بعض اللواتي يناقشن فلسفة التشريع النسوي، لا يمكن أن يوجد بينهن شكل من التفكير الوحدوي أو المتجانس حول المشاكل المتعلقة بقراءات الجوهرية والتفكيك فيما يتعلق بالمسائل النسوية. لذلك نسألك: هل تعتقدين أنه من الأهمية بمكان تناول ديناميكيات التداخل والتحاور النسوي إلى جانب الخصوصيات التفسيرية ؟ ومن بين هذه الخصوصيات، ما التي تفترضين اليوم أنها الأكثر أهمية؟
إليزابيث  غروس: لست متأكدة عما تسألين عنه هنا. إذا كنت تسألين عن التمييز بين الجوهرية (الاعتقاد بجوهر ثابت أو معطى، سواء كان بيولوجيا أو نفسيا) والتفكيك، فإن هذه العلاقة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه. التفكيك لا يهدف إلى تحويل الجوهر، بل إلى التراجع عنه أو تفكيكه الذاتي. لا أعلم كيف يمكننا أن نفعل دون مفهوم الجوهر، خاصة إذا كنا ملتزمين بنوع من نظرية البنائية الاجتماعية (الاعتقاد بأن الخصائص البيولوجية والنفسية تنشأ اجتماعيا): لبناء أي شيء، يجب أن يكون لدينا المواد الخام. التفكيك هو الذي يوضح أنه بقدر ما نريد طرد مفهوم (مثل الجوهر) بقدر مايبدو التزامنا به. أو لتوضيح الفكرة بعبارة أخرى، من دون بعض الافتراضات التي لا يمكن المساومة عليها، لا يمكن تطبير نظرية، أو نموذج، أو فهم. ولكن ربما كنت تسألين سؤالا مختلفا، سؤالا حول الاختلافات بين المنظرين النسويين، في فلسفة القانون والتشريعات النسوية  أو في أي مكان آخر. هذا سؤال أكثر تعقيدًا. كانت هناك نقاشات عديدة مستعرة في النظرية النسوية لعدة عقود، على الأقل: النزاع بين أولئك الذين يُعتبرون جوهريين والذين يعتبرون أنفسهم بنائيين. علاقات القهر الجنسي وعلاقتها بأشكال أخرى من القمع (العرق، الطبقة، الاثنية، إلخ)؛ وما هي النماذج (الذكورية ) التي تنير النظرية النسوية. حل هذه النزاعات ليس أسهل من أي اختلافات سياسية أو فكرية أخرى. في بعض الحالات، تكون المطالبات غير قابلة للاختزال، أي أنه لا يمكن معالجتها من مواقف مفاهيمية معينة؛ في حالات أخرى، هناك اختلافات حقيقية جدا بين النسويات حول كيفية المضي في أي مسعى معين. يُنظر إلى التفكيكه من قبل بعض النسويات (بما في ذلك أنا) كأسلوب أساسي للفكر النسوي. لا شك أن الآخرين يعتبرونها مجرد شكل آخر من الفكر البطريركي وبالتالي تستحق الشك. إن موقفي الخاص في هذه المناظرات المختلفة ليس بالأمر السهل. أنا دائما أميل إلى المفاهيم التي تريد العديد من النسويات انتقادها بشدة (مثل التفكير في الطبيعة، أو الجوهر، أو المادية، أو قضايا الحيوان ذات الصلة بالفكر النسوي). أو المفاهيم التي كانت قوية جدا في في الفكر النسوي لكنها أصبحت أقل أهمية في الوقت الحاضر (مثل فاليري سولاناس أو شولاميت فايرستون). عمل دريدا، بالنسبة لي، مهم للغاية، ولكن أيضا عمل الكثيرين في مجال عملي (الفلسفة القارية )، الذي يمكن للمرء أن يقرأهم ضد التيار، أو بعبارات مختلفة من الآخرين. وبالتالي بدلاً من انتقاد المواقف النسوية المختلفة التي لا أتفق معها بشكل خاص، أفضل أن أرى ما هو مفيد، ما هو التفرد أو البصيرة التي قد يقدمها المؤلف، مهما كان عمله اشكاليا، وحتى إذا كنت لا أتفق مع ادعاءاته.
3. سابيريا أود. لا نزال نتحدث عن السؤال السابق، هل يمكنك التعليق على تلك الثيمة القديمة عن التفاعل المعقد بين الجسد وسياقه الثقافي؟ هل أسست لحوارات حول هذا الموضوع مع النسويات في القرن الحادي والعشرين؟ علاوة على ذلك، هل تفترضين أنها ثيمة ملائمة حتى اليوم - أو لنقل ثيمة كل يوم - ؟
إليزابيث  غروس: كانت العلاقات بين الأجسام الحية، وخاصة الأجسام البشرية والثقافة، العلاقات المتغيرة اجتماعيا وتاريخيا "موضوعا قديما" ولكن، مثل الاختلاف نفسه، لا تزال غير مفهومة جيدا. الأجسام، سواء كانت مادية أو حية، ترتبط دائما بالطبيعة بقدر ما ترتبط بالثقافة. تختلف الثقافات بشكل كبير في كيفية إنتاجها كائن اجتماعي محدد ثقافي ومناسب بتنظيم الاجساد ، ثم ، ومن خلالها، الوعي. لكن على الرغم من ذلك، فإن الثقافات مرتبطة بشكل لا مفر منه بالطبيعة / كما أنها جزء منها؛ الطبيعة التي لا نتحكم بها بشكل كافٍ. ماهية العلاقات المحددة بين الأجسام والمجتمعات في لحظات تاريخية معينة يخبرنا الكثير عن كل من الجسم والحضاره. وستبقى هذه ثيمة مركزية بالنسبة لنا جميعا، نحن الذين نعيش في التقاء الطبيعة والثقافة.
4. سابيريا أود. في نصوصك الحديثة مثل الأجسام المتطايرة (1994)، وبطريقة ما أيضا في الوقت العصيب (2004) ورحلات الزمن  (2005)، تعيدين قضية الجسد للفلسفة بطريقة مؤكدة جدا. يلعب تفكيك الثنائيات دورًا مهمًا في هذا المحيط، خاصة في ثنائية الطبيعة /الثقافة، مستحضرا حيوية الطبيعة، بل وحتى فكرة أن "الطبيعة هي الأرضية، الشرط أو المجال الذي تنبثق فيه الثقافة أو تظهر كميزة مضافة ليست محتواة في الطبيعة ولكن مشتقة منها"، كما يمكن أن نقرأ في ( رحلات الزمن - الحركة النسوية،  الطبيعة والسلطة) الصادر عام 2005. بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إنه من خلال توظيف  مزيج من المنظورات الدريدية(الديفيرانس) والأريغارية ( الاختلاف الجنسي غير القابل للاختزال وإعادة مفهمة المكان) ، تمكنت من إعادة صياغة فكرة التشورا chora بحثا عن أنطولوجيا نسوية للذاتية الأنثوية التي ليست مستعبدة لتشكيل ذاتية ذكورية غير مجسدة. في هذا الصدد، أنت تعيدين قراءة نظرية داروين من وجهة نظر بعيدة عن التفرع الثنائي، وتنسحبين من النظرة الجوهرية للطبيعة التي تعالج عادة في فلسفة. بهذه الطريقة، فإنك تقترحين في الواقع فكرة جديدة عن اللا تعيين indeterminacy  بدلاً من الاعتماد على الحتمية الطبيعية والاجتماعية المهيمنة، وتربطين الطبيعة والثقافة بطريقة مبتكرة. ما الذي ستقولينه  هنا هو عواقب وجهة نظرك على التفكير النسوي ؟ كيف يمكن أن يتفاعل إعادة التخصيص للنظرية الداروينية مع النسوية في هذه الأيام واستبدال الفكر الثنائي الثابت؟
إليزابيث  غروس: داروين أحد المفكرين الأقل تقييمًا في الفكر النسوي. على الرغم من أنه مع ماركس وفرويد، اللذين كان تأثيرهما على الفكر النسوي أمرا لا جدال فيه - يشكل داروين أفق التحول الكبير في الفكر في القرن التاسع عشر، بعيدًا عن الذات البشرية كمركز الفكر. كان  تأثير داروين على الفكر النسوي محدود جدا. يوضح داروين، كما لم يفعل أحد،  أن قوة الانتقاء الجنسي – القوة الذي تميز الجنسين عن بعضهما البعض أكثر وأكثر بمرور الوقت - هي قوة تعادل على الأقل قوة الانتقاء الطبيعي، أو البقاء للأصلح. وقد بين أن الانتقاء الجنسي، حتى  قبل فترة طويلة من تطور الإنسان، بل قبل التطور الذي فصل النباتات عن الحيوانات، هو قوة في الحياة غير قابلة للاختزال إلى الانتقاء الطبيعي، والذي يعقد ويجعل الانتقاء الطبيعي غير متوقع. بالنسبة له، يساعد الانتقاء الجنسي على تفسير ليس فقط تولد الأنواع المختلفة، ولكن أيضا وجود الخصائص التي قد تمشكل الحياة عن طريق تكثيف الجمال أو الجاذبية. بعبارة أخرى، ومما يدعو للسخرية، إذا عدنا إلى كتابات داروين الخاصة، نرى تأكيدا لعمل لوس اريغاري عن عدم قابلية الاختلاف الجنسي للاختزال وانه(الإختلاف) واحد من أقوى القوى العاملة في إنتاج وتحويل الحياة. أكثر من ذلك، يوضح داروين أيضا أنه لا يوجد أي نوع، بما في ذلك الإنسان، لديه شكلا  مثاليا واحد يناسب تمامًا بيئته؛ بدلا من ذلك، تتكون كل الأنواع من اختلافات دون معيار أو نموذج، الاختلافات الواسعة قدر الإمكان، بما في ذلك العرق، الطبقة، والاختلافات الجغرافية والوطنية. يمنحنا داروين طريقة للتفكير الصارم بالاختلاف كمحرك للحياة كلها، وليس فقط شكلا من أشكال التمثيل البشري. وهو بذلك يفتح أسئلة جديدة للنظرية النسوية، تماماً كما فعل ماركس وفرويد في السابق مع أجيال من المفكرين النسويين. الآن، الأمر متروك لنا لإعادة التفكير في كيفية فهمنا لطبيعة الأنواع الحيوانية التي جئنا منها. هذا جزء من مشروع نسوي لفهم مكان الإنسان - في جميع اختلافاته - في العالم وإعادة التفكير في الانقسامات التي تميز الإنسان.
*****
سابيريا أود: عزيزتي البروفيسور إليزابيث غروس، نشكرك كثيرًا على حضورك اللطيف. إنه لشرف عظيم لنا أن نجري معك هذا الحوار.



[1] ولدت إليزابيث جروسز في سيدني، أستراليا وحصلت على درجة البكالوريوس (مع مرتبة الشرف) ودرجة الدكتوراه في الفلسفة من قسم الفلسفة العامة، جامعة سيدني، حيث درست كمحاضر وكبير محاضرين من 1978-1991. انتقلت إلى جامعة موناش في ملبورن كمدير للمعهد الذي تم تشكيله حديثًا من الدراسات النقدية والثقافية في عام 1992، حيث كانت أستاذ مشارك وأستاذ في النظرية النقدية والفلسفة. وهي أستاذ زائر في جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز، جامعة كاليفورنيا، ديفيس، جامعة جونز هوبكنز، جامعة ريتشموند، جامعة جورج واشنطن جامعة كاليفورنيا، إرفاين وجامعة ديوك. لديها العديد من الكتب والمقالات المنشورة :
Sexual Subversions: Three French Feminists (1989), Jacques Lacan: A Feminist Introduction (1990), Volatile Bodies: Toward a Corporeal Feminism (1994),Space, Time and Perversion: Essays on the Politics of Bodies (1995). Architecture from the Outside: Essays on Virtual and Real Space (2001), The Nick of Time: Politics, Evolution and the Untimely (2004), Time Travels: Feminism, Nature, Power (2005), Chaos, Territory, Art: Deleuze and the Framing of the Earth (2008), Becoming Undone. Darwinian Reflections on Life, Politics and Art (2011)
[2] ماغدا غوادا لوب دوس سانتوز: استاذة في الفلسفة، PUC MINAS. Belo Horizonte. وعضو هيئة تحرير مجلة سابيريا اود. البرازيل.
[3] باولو سارتوري استاذة في الفلسفة: PUC MINAS. Belo Horizonte, Brazil. Fellow of the FIP PUC MINAS research program 2012.
[4]سيرجيو مريلو رودريغز: استاذ في الفلسفة، PUC MINAS. Belo Horizonte. وعضو هيئة تحرير مجلة سابيريا اود. البرازيل

[5] Sapere Aude, Belo Horizonte, v. 4, n. 7, p.19-24 - 1º semestre. 2013 – ISSN 2177-6342 19

[6] Elizabeth Grosz. Derrida and the Limits of Philosophy. Thesis Eleven No. 14, 1986).

تعليقات

المشاركات الشائعة