دريدا والنسوية


                                                         أماني أبو رحمة
ربما أن هدية دريدا إلى النسوية، على الرغم من أن النسويات لم يتلقينها في البداية بوصفها هدية ، هدية حقيقية،  هي مفهومه الخاص جدا عن (الإختلاف) . المفهوم الذي يوضح ليس فقط العلاقات بين الجنسين، أو العلاقات بين الجنس والجندر ولكن أيضا العلاقات بين الذوات والعلاقات التي تشكل الذوات. (الاختلاف الدريدي) هو هدية واستفزاز على حد سواء، المفهوم وعواقبه معا، التأكيد على الضرورة النسوية (مفاهيميا وسياسيا) والتراجع عن كل يقينياتها في الوقت نفسه . هدية التلوث والعدوى، فكرة أن كل (شيئ)، كل مفهوم، كل وجود، هو دائما ملوث بآخره، بخارجه، بخصمه، بحدوده ونهاياته. فإذا كان هناك نسوية، أو لا- عنصرية ، أو ما بعد الاستعمار، فهي موجودة فقط لأنها نتائج أو آثار لم تتمكن البطريركية، والعنصرية، والإمبريالية، من احتوائها لأنها دائما وبالفعل نتاج ما تتحداه، لأنها تعرف وتعمل فقط في الداخل الذي أنتجها إلا أنه فشل في محاصرتها واحتواء آثارها. يرى دريدا أن الإختلاف ليس فقط في صميم الفلسفة (على الرغم من أن الفلسفة لم تكن قادرة على تصوره )، بل و أكثر من ذلك بكثير فالاختلاف [ لأن مجالات اشتغالاته لم تكن ببساطة مع النصوص، أو المصطلحات ، أو المفاهيم وحدها] هو منهجية الحياة، في الواقع، منهجية الكون نفسه. كل الكيانات، والهويات، والأشياء في خصوصيتها وعموميتها وليس المصطلحات فحسب، هي آثار الاختلاف، على الرغم من الاختلاف غير قابل للإختزال إلى الأشياء بقدر ما أنه هو العملية التي تنتج الأشياء والخزان الذي تنضح منه. الإختلاف هو قلب المادية، والهوية، وفي صميم اختلافها أو تعارضها، تماما كما أنه جوهر الوجود وتمايز تحولاته وسيرورته، أو هو "جوهر" الهوية وتجاوزاتها. وقد ارتبط مفهوم الاختلاف تاريخيا بالنظام الهرمي القائم على الثنائية. دريدا هو من أثبت أن الإختلاف يتجاوز المعارضة، والانقسام، أو الازدواجية، ولا يمكن أبدا التقاطه بشكل كاف في أي مفهوم للهوية أو التنوع (وهو انتشار التماثل أو الهوية وليس بأي حال من الأحوال التغلب عليها أو الاختلاف).
أشار ديريدا، مع لوس إريغاراي، وجوليا كريستيفا، وهيلين سيكسو، وسارا كوفمان، وغيرهن من  "النسويات" الفرنسيات (ونظيراتهن الناطقات بالإنكليزية، غاياتري سبيفاك، جوديث بتلر، ودروتشيلا كورنيل، وأفيتال رونيل، و اخريات )، إلى مركزية الاختلاف في فهم العلاقة بين الجنسين لا كعلاقة تساو او تكافؤ أو هوية ولا كعلاقة معارضة أو ثنائية. وبمساهمة النسويات الفرنسيات ومن تأثر بهن، فإن اشتغال دريدا على ( الاختلاف)  ولد نوعا جديدا من النسوية، حركة نسوية أبعد من المساواة وأبعد أيضا من خطاب حقوق الإنسان، ليست مجرد اهتمام بالمساواة في المعاملة في المؤسسات المدنية والقانونية، نسوية في الواقع لم تعد ملتزمة بأي هدف مسبق، ولكنها نسوية ملتزمة بتعقيد وتصعيد الاختلاف وما يرافقه من تمايز وتفاضل وسيرورة لا تتوقف عن التشكل ذلك لأنها خارج السيطرة عليها والاحتواء . وفي حين أن اهتمامات ديريدا لم تكن نسوية في المقام الأول، إلا انه سلم للفكر النسوي والسياسي عدوى مفاهيمية، جرثومة فكرة تحولت من مجرد  المطالبة بالمساواة في القرن التاسع عشر إلى تعظيم وتعزيز / والاحتفاء بمفهوم الإختلاف وما يتبعه من آثار في القرن الحادي والعشرين.


تعليقات

المشاركات الشائعة