الفلسفة واللغة.

الفلسفة واللغة.
أماني أبو رحمة
ميز رفض الاعتراف بالاعتماد على (مادية ) اللغة الفلسفة منذ بداية العقل  الغربي في القرن الخامس  قبل الميلاد.  استجوب الفلاسفة طبيعة الأداة التي يجب أن  يستخدموها لتوصيل  الأفكار والمفاهيم أو المعاني. وشككوا في كفاءتها وقدرتها على التمثيل الدقيق والواضح والصادق للواقع.  ومع ذلك ظل هذا الاستجواب  سطحيا إلى حد كبير، بقدر ما أنه  يقيس اللغة مقابل واقع يمكن  الوصول اليه بطرق  أخرى غير اللغة . اعتبرت الفلسفة  الدال مجرد وسيط لمدلول موجود مسبقا ومعطى على ما هو عليه . وبالنظر إلى الامتياز الممنوح للعقل، إو المعرفة والمفهوم "الخالص" الذي يولد المعرفة،  فليس من المستغرب  أن الفلسفة ، مع استثناءات قليلة، قد نظرت إلى اللغة بوصفها  مجرد وسيلة لتوصيل ، أو ربما لاختبار، المعرفة، ولكنها  في الأساس خارج / وطارئة على  انتاج المعرفة.  المعرفة والواقع والأفكار والحقائق هناك دون اللغة.
التفكيكية هي صيغة لقراءة النصوص الفلسفية بوصفها نصوصا فحسب، أساليب كتابة ، وليست تعبيرا عن أفكار تحتفظ بموثوقيتها مهما تغيرت صيغ الكتابة أو التمثيل. قراءة تكشف عدم الاستقرار في العلاقة بين ما تجزم به النصوص الفلسفية وتفرضه بوصفه أفكارا حقيقية ، وبين كيفية وطريقة هذا الجزم، او لنقل وسيط هذا الجزم والتأكيد. وهكذا  يصبح  التفاعل غير المستقر بين التمثيلات الذاتية للفلسفة وممارستها الفعلية  واضحا.
تفضح التفكيكية ، إذا، التوتر الكامن بين ما تطمح النظرية إلى تحقيقه وبين الطرق والكيفيات التي تنتهجها لتحقيق ذلك.  تعد الكتابة بالنسبة للعديد من الفلاسفة الذين استجوبهم دريدا من خلال نصوصهم، خارجية، مادية ، وغير متجاوزة ؛ وسيطا متطفلا غير نزيه بحاجة الى التنقية  الضبط والقواعد المعيارية لضمان الوضوح والفهم.  تأسست الفلسفة  على نبذ الدال وبالمقابل الإعلاء من قيمة (المدلول) بوصفه (المفهوم الخالص)؛ المطلق؛ بلا وسيط. وصف دريدا هذه الفكرة بالعبارة المتناقضة (المدلول المتعالي أو المتجاوز(transcendental signified). وفي رفضها الإعتراف باعتمادها على الدال، على اللغة ، والكتابة ، تمكنت الفلسفة من تمثيل نفسها بوصفها تُحكم بالأفكار، والمفاهيم أو المدلولات التي تتعالى على /وتتجاوز  مادية أكثر دونية. ولكن حين نسيت الفلسفة اعتمادها على اللغة ، فقدت شيئا في هذا التاريخ : إن  الميتافيزيقا ، الرغبة في حضور المعرفة، هي جيش متحرك من المجازات والإستعارات والكنايات التي نسيت أنها مجازية، وانكرت  استثماراتها في علاقات السلطة، ورأت نفسها  نقية  خالصة. في  (الأساطير البيضاء) من (هوامش الفلسفة) يقول دريدا: "الميتافيزيقا - الميثولوجيا  البيضاء التي تعيد تجميع /وتعكس ثقافة الغرب:  يأخذ الرجل الأبيض أساطيره، الأساطير الهندو-أوروبية،  شعاراته  الخاصه،  بمعنى ، ميثوس لغته أو عباراته الإصطلاحية ، لشكل كوني؛  لذلك الذي يتمنى أن يطلق عليه العقل.  ولكن ما لا يمر دون  جدال: الأساطير البيضاء - لقد محت  الميتافيزيقا في داخلها نفسه المشهد الرائع الذي أنتجها، المشهد الذي لا زال نشطا ومؤثرا ، منقوشا  بالحبر الأبيض،  تصميم غير مرئي مغطى على رق ممسوح ". وبانكار انغماسها في مادية اللغة ، تعتبر  الفلسفة نفسها غير متحيزة، وغير ذات مصلحة، وغير متأثرة بموقعها التاريخي الخاص، ونصيتها  وصيغها في  الاستبعاد والإدراج، ومع ذلك فإنها تظل معتمدة على عدم الدقة اللغوية،الغموض، والمجازات ، والاستعارات، والكنايات، لا يمكن لأي منها  أن يزول لمجرد أن الفلسفة تريد ذلك. الفلسفة غير قادرة على قبول وجودهاكسيرورة(عملية) مادية  محاطة بـ/ وتعتمد على  ممارسات مادية  واجتماعية وخطابية أُخرى. وهي غير قادرة على الاعتراف بتورطها  في أنظمة  العنف والإكراه والنضال التي شكلت ولا زالت تشكل تاريخ المعرفه.

فهمت الفلسفة اللغة، في إطار فلسفة التحليل على وجه الخصوص، بوصفها "أُسلوبا"، "خصوصية فردية" أو"ذوقا شخصيا" نوعا من التكلف. وتعتبر البيانات statements، على وجه الخصوص، صحيحة بسبب المحتوى المقترح الأساسي. والواقع أن الحقيقة عادة ما تصور مستقلة عن تعبيرها الملموس. ومن ثم يمكن تدوين بيان بصياغات أو نسخ لغوية مختلفة دون التأثير على الأفكار الكامنة التي يُعبر عنها. أعتبرت اللغة بشكل عام، والكتابة على وجه الخصوص، أجهزة  تأجيل وإبعاد، ضرورية  لنقل واستقبال الأفكار، ولكن أيضا مصدرا لسوء الفهم المحتمل، والغموض.

تعليقات

المشاركات الشائعة