مقتطفات من مقال( الافلاطونية) لدانيال شميث في كتابه(مقالات عن دولوز، 2012)


السيميولاكرم( الصور الزائفة) بين دولوز وأفلاطون.
(( يمكن تصور المفهوم الدولوزي للسيميولاكرم (الصورة الزائفة simulacrum ) من خلال ثلاث خصائص، تتناقض مع المكونات الثلاثة للفكرة (المثال) الأفلاطونية التي لخصناها أعلاه.
أولا، يدعي دولوز أنه؛ في حين أن "النسخة "copyهي صورة منحت أو وُهبت التشابه، فإن السيميولاكرم صورة بدون تشابه”. كيف لنا فهم هذه الصيغة الغريبة إلى حد ما؟ يقترح دولوز أن التعاليم الدينية المسيحية المبكرة، متأثرة بالأفلاطونية الجديدة لآباء الكنيسة، قد عرفت لنا إلى حد ما مفهوم الصورة التي فقدت شبهها: خلق الله الانسان على صورته الخاصة وشبهه (imago Dei)، ولكن بسبب الخطيئة، فقد الإنسان الشبه مع الاحتفاظ بالصورة. فقدنا وجودا أخلاقيا لندخل في وجود جمالي (كيركيغارد) ؛ لقد أصبحنا صورا زائفة أو سيميولاكرات.
ويشدد التعليم المسيحي على حقيقة أن السيميولاكرم صورة شيطانية. تبقى صورة، ولكن، على النقيض من الأيقونة، فإن تشابهها resemblance قد حُول ليصبح تشابها من الخارج، تشابها خارجيا. أي إنه ليس "تشابهًا " بعد الآن، ولكنه مجرد "مظهر خارجي semblance".
إذا كان التشابه "الفكري /النفسي" للأيقونة مثل التشابه الذي ينشأ بين ابن وأبيه، أي أنه ينبع من مشاركة الابن الداخلية في خط نسب الأب، فإن الشبه في حالة الصور الزائفة، على العكس من ذلك، هو مثل حيلة وخداع دجال ؛ على الرغم من أن ظهوره قد يعكس الأب، إلا أن العلاقة خارجية محضة ومصادفة، ومزاعمه بالإرث تخريب يعمل "ضد الأب". وبدون المرور من خلال الفكرة/المثال، لا تزال الصورة الزائفة تحاكي وتقلد تأثيرات الهوية والتشابه، ولكن هذه الآن آثار خارجية تماما (مثل المؤثرات البصرية)، منفصلة عن أي مبدأ داخلي، ومُنتَجة بوسائل مختلفة تمامًا عن تلك التي تعمل في حالة النسخة.
ثانيا، إذا كانت الصورة الزائفة صورة بدون تشابه، فذلك لأن الفكرة (المثال) لم تعد تملك هوية النموذج المطابق لعينه self-same model، بل أصبحت تتشكل الآن من خلال الاختلاف في ذاته. إذا كانت النسخة مغمورة في عدم التشابه dissimilitude، فذلك لأن النموذج ضارب في الاختلاف، بحيث لم يعد من الممكن القول أيٌ هو النموذج وأيٌ هي النسخة. وإذا ما استمرت الهوية والتشابه، فذلك لأنهما الآن ببساطة الآثار الخارجية للآلة التفاضلية الداخلية للسيميولاكرم.
يحدد أفلاطون نفسه كيف تحصل السيميولاكرم على هذا التأثير الخارجي للتشابه غير المنتج : تنطوي الصور الزائفة على أبعاد وأعماق ومسافات كبيرة لا يمكن للمراقب السيطرة عليها. ولأنه بالتحديد لا يستطيع أن يسيطر عليها، فإنه يختبر انطباع التشابه... التشابه دائما في الخارج، والاختلاف - صغيرا أو كبيرا - يحتل مركز النظام.
تتعلق السمة الثالثة للسيميولاكرم بالصيغة التي يتم بها ادراك هذا التباين أو الاختلاف، والتي حددها دولوز بوصفها صيغة إشكالية. في المقطع الشهير من(الجمهورية) حين يطرد الفنان من المدينة، يناشد أفلاطون ثالوث (المستخدم-المنتج –المقلد) من أجل الحفاظ على "احساس "أيقوني" للتقليد (التقليد بمعنى المحاكاة وليس "الخداع"). يقع المستخدم في أعلى التسلسل الهرمي الأفلاطوني لأنه يستخدم المعرفة الحقيقية، وهي معرفة النموذج أو الفكرة. والنسخ التي يتم انتاجها بعد ذلك من قبل الحرفي (demiourgos) ايقونية لدرجة أنها تعيد إنتاج النموذج داخليا. على الرغم من أنه لا يمكن القول أن الحرفي يعمل من خلال المعرفة الحقيقية للفكرة، إلا أنه ليس أقل استرشادًا بالحكم الصحيح أو الرأي الصحيح لمعرفة المستخدم، ومن خلال العلاقات والنسب التي تشكل الجوهر. الرأي الصحيح بمعنى آخر، يدرك التشابه الخارجي بين النسخة والفكرة / المثال فقط إلى الدرجة التي يتم ضمانه من خلال التشابه الداخلي( النفسي/الفكري). ما الذي بقي إذا للتشابه الزائف والتخالف الداخلي للسيميولاكرم؟ لم يبق إلا التقليد. يأخذ التقليد معنى ازدرائيا عند أفلاطون فقط عندما يتم تطبيقه على السيميولاكرم، والذي لا يعيد انتاج المثال أو الفكرة (eidos) ولكنه ينتج فقط تأثير من التشابه بطريقة خارجية وغير منتجة، لا يحدث هذا التأثير عن طريق المعرفة الصائبة (المستخدم) ولا من خلال الرأي الصحيح (الحرفي)، ولكن عن طريق الخدعة، والحيلة، أو التخريب، فن المواجهة الذي يقع خارج المعرفة والرأي ( الفنان أو الشاعر). يمكن أن تظهر السيميولاكرم فقط في صيغة مشكلة، كسؤال، كذلك الذي يجبر المرء على التفكير، ما يسميه أفلاطون "استفزازي" (هل هذا صواب أم خطا، جيد أم سيء). لا تهاجم (الجمهورية ) الفن أو الشعر بما هو عليه؛ ولكنها تحاول القضاء على الفن السيميولاكري أو الفانتازي، وليس الأيقوني أو المحاكاتي.
ربما تكمن عبقرية فن البوب في القرن العشرين تحديدًا في قدرته على دفع تكاثر ومضاعفة الصور إلى النقطة التي تغير فيها النسخة المتسمة بالتقليد( mimetic copy ) طبيعتها ويتم قلبها إلى سيميولاكرم (وهو النموذج البدئي في سلسلة علب وارهول من حساء كامبل).
تشير الطبيعة "الإشكالية" للسيميولاكرم إلى حقيقة أن هناك شيئا ما يطعن في كل من مفهوم النسخ والنموذج، ويقوض التمييز بين الاثنين. "لا ينبغي أن نفهم السيميولاكرم بوصفه تقليدا بسيطا بل بالأحرى الفعل الذي يجري من خلاله "تحدي" فكرة النموذج أو الموقف المميز لها "وقلبها". مع السيميولاكرم تصبح المشاركة مستحيلة، لأنه لم يعد هناك أي تسلسل هرمي ممكن، لا ثان ولا ثالث. لا توجد وجهة نظر متميزة، ولا يوجد موضوع مشترك لجميع وجهات النظر. التماثل والتشابه لا يزال قائما، ولكن فقط كأثر للآلة التفاضلية للسيميولاكرم (إرادة القوة)؛ يحاكي السيميولاكرم :الأب، والخطيبة fiancée، والمدعي مرة واحدة في تداخل للأقنعة، ليس وراء كل قناع وجه حقيقي، ولكن قناع آخر، ثم قناع آخر وراء ذلك القناع. وكما تأمل نيتشه قائلا، ردا على قصة أفلاطون عن الكهف: "وراء كل كهف، ألا يوجد، ألا يجب أن يكون هناك، كهف آخر أعمق - أكثر شمولا، أكثر غرابة، وعالم أكثر ثراء وراء السطح، أرض عميقة غائرة وراء كل أرض، وراء كل محاولة لمد "أرضيات"؟
"الوهم الوحيد"، يقول دولوز، "هو كشف القناع عن شيء ما أو شخص ما" - وهم افتراض وجه وراء القناع، نموذج بدئي وراء النسخة، عالم حقيقي أبعد من العالم الظاهري.
وباعتبارها سيميولاكرم ، لم يعد من الممكن القول أن المطالبة غير صحيحة فيما يتعلق بالنموذج الحقيقي المفترض. بدلا من ذلك، فإن "سلطة وقوة الزائف" (pseudos) تأخذ الآن نظرة إيجابية: إنها تفترض المفهوم الخاص بها، ويتم رفعه إلى قوة أعلى). يجب تمييز الزائف عن قوة وسلطة التزيف ؛ يأخذ الزائف "قوة" خاصة به عندما يتم تحريره من شكل الحقيقة - أي عندما لا يتم تقديم الزيف على أنه الحقيقي(أي، بوصفه "خطأ").
العالم الحقيقي لم يعد يعارض عالم السيميولاكرم المزيف ؛ بدلاً من ذلك، أصبحت "الحقيقة" الآن تأكيدا للسيميولاكرم نفسه، فالزيف (الفن) يؤكد ويُرّفع إلى قوة أعلى.))
الاختلاف الخالص بوصفه فكرة محايثة.
((تقودنا خصائص السيميولاكرم (الصورة الزائفة، مقابل النسخة طبق الاصل عن المثال او الفكرة iconic copy) إلى تناول جديد لحالة الأفلاطونية المقلوبة. لا يجب أن يُفهم مشروع دولوز المتعلق بقلب الأفلاطونية على أنه رفض لها - على العكس. "قلب"الأفلاطونية" يجب أن يحافظ على العديد من خصائصها، "يكتب دولوز" هذا ليس أمرا لا مفر منه فحسب، ولكنه مرغوب أيضا”. قد تكون الصورة الزائفة محور التركيز الدولوزي في تحليله للأفلاطونية ، لكنها ليست الكلمة الأخيرة. تشوش الصورة الزائفة معايير الاختيار الذي وضعه أفلاطون وتعطي كلا من الاختلاف والزيف مفهومًا خاصا به. وبعيدا عن رفض الأفلاطونية في مجملها، تستعيد افلاطونية دولوز المقلوبة تقريباً كل جانب من جوانب مشروع أفلاطون، لكنها الآن تدركه من وجهة نظر الصورة الزائفة نفسها. وبالتالي تلعب الصورة الزائفة دورا مزدوجا في قراءة دولوز للأفلاطونية: فهي تبين كيف فشل أفلاطون في محاولته "وضع الاختلاف"، ولكنها في نفس الوقت تفتح الطريق نحو بعث مشروع أفلاطوني على أساس جديد. بهذا المعنى، يمكن أن نرى الأفلاطونية المقلوبة عند دولوز بوصفها أفلاطونية متجددة بل وحتى أفلاطونية مكتملة.
ما هي طبيعة هذه الأفلاطونية المتجددة؟
كان خطأ أفلاطون انه بقي "متشبثا بتلك الحكمة القديمة، التي هي على استعداد لكشف تجاوزها وتعاليها (ترانسندانس transcendence) مرة أخرى. يرفض دولوز بقوة أي عودة أفلاطونية للتجاوز : "كل رد فعل ضد الأفلاطونية لا بد ان يكون استعادة المحايثة في امتدادها الكامل وفي نقائها، الأمر الذي يحظر عودة أي تجاوز ”. نظرية عن الأفكار محايثة خالصة لا بد وأن تبدأ من الصورة الزائفة : هناك كون من الصور الزائفة ( simulacra) ، حاول أفلاطون إنكاره. وإذا كان بناء تشابه النسخة الأيقونية قد تم على أساس نموذج هوية التماثل مع المثال، فإن تفاوت الصورة الزائفة مبني على نموذج آخر، وهو نموذج الاختلاف ، والذي منه يشتق التباين أو الاختلاف الداخلي للصورة الزائفة قوته وسطوته. الصور الزائفة هي تلك الأنظمة التي يرتبط فيها اختلاف بعلاقة مع اختلاف عن طريق الاختلاف ذاته.
ما هو أساسي هنا هو أنه لا هوية مسبقة، ولا تشابهات داخلية في تلك الأنظمة: الاختلاف هو سيد الموقف وهو ما يهم هنا. في الواقع، ألم تكن الطبيعة التخالفية التفاضلية للصور الزائفة هي ما حفز أفلاطون على طردها في المقام الأول؟ على أساس الانطباع الأول ( الاختلاف شر)، اقترح [أفلاطون] أن "ينقذ" الاختلاف من خلال تمثيله ". تنطوي الافلاطونية المقلوبة، في المقابل، على تأكيد الاختلاف نفسه كمبدأ "دون- تمثيلي" يضع في اعتباره التباين التأسيسي للصور الزائفة نفسها. قسوة الصورة الزائفة التي بدت لنا في البداية وحشية تتطلب كفارة ولا يمكن تلطيفها إلا بواسطة التمثيل، تبدو لنا الآن وهي تشكل المفهوم الخالص أو الفكرة النقية للاختلاف . وبعبارة أخرى، تتطلب الصور الزائفة تصورا جديد للأفكار: الأفكار المحايثة للصور الزائفة(بدلا من المتجاوزة المتعالية) وعلى أساس مفهوم الاختلاف النقي (وليس الهوية). وهكذا فإن المحايثة والاختلاف الداخلي هما محطتان للبعث الدولوزي للأفلاطونية في (الاختلاف والتكرار).)_____
ولكن أين يجد دولوز موارد تطوير جدله المحايث؟
يلاحظ دولوز أن (صيرورة) الاختلاف difference واللاتشابه dissimilar   (صيرورة) يظهران أحيانًا، في العديد من النصوص الهامة لأفلاطون نفسه، ليس فقط كخاصية لا مفر منها للنسخ copies التي تم إنشاؤها، كخلل يؤثر على الصور، أي كنظير لتشابهها (يجب أن تختلف حتى تتشابه)، ولكن بوصفه النموذج المحتمل الذي ينافس نموذج المثل (Same) الجيد، أي المكافئ الأفلاطوني لشيطان ديكارت الشرير. يتردد صدى هذا التوتر في الحوارات عندما يسأل سقراط، بسخرية : هل هناك فكرة (مثال) لكل شيء، حتى الوحل والشعر والقذارة والفضلات - أو هل هناك شيء ما يهرب دائمًا من الفكرة؟ يطرح أفلاطون هذه الاحتمالات فقط لاستحضارها، ولكنها تشهد على استمرار نشاط العالم الديونيسي في قلب الأفلاطونية نفسها حتى وإن كان خفيا غير معلن، وإلى إمكانية مجاله الخاص.
لكن كانط الذي أول من دشن تفسيرًا محايثا تمامًا للأفكار، وكشف وهم تعين كائن متعال أو متجاوز للفكرة. في "الدياليكتيك المتجاوز"  في (نقد العقل الخالص) يحدد كانط ثلاث أفكار متعالية أولية، والتي يحددها بوصفها النقاط النهائية للميتافيزيقيا التقليدية: النفس/ الذات،  والعالم، والله.
يمكن أن يكون لمثل هذه الأفكار توظيف إيجابي، كما يقول كانط، ولكن فقط عندما يتم توظيفها بطريقة تنظيمية، كآفاق أو نقاط محورية خارج نطاق الخبرة التي توجه  تنظيم معرفتنا بصورة منهجية (التوظيف المحايث المشروع للأفكار). ولكن عندما نمنح الأفكار وظيفة تأسيسيًة، ونزعم أنها تشير إلى كائنات /موضوعات مقابلة، فإننا نقع في وهم العقل (التوظيف المتعالي غير المشروع للأفكار). ومع ذلك، حتى كانط لم يكن قادرا على دفع المفهوم المحايث للأفكار إلى حدوده القصوى. في (نقد العقل العملي)، كان كانط مستعدا لإحياء الأفكار المتعالية وإعطائها تحديدا عمليًا كمسلمات للقانون الأخلاقي.
يتبع مشروع دولوز الخاص مبادرة دشنها سالومون ميمون، الذي كان أول ما بعد كانطي أصر على أن فلسفة كانط عن المحايثة لا يمكن أن تكتمل إلا من خلال العودة إلى عمل هيوم، وسبينوزا، ولايبنتز. بالنسبة لدولوز، فإن الأفكار محايثة ضمن الخبرة لأن كائناتها أو موضوعاتها الحقيقية هي بنيات أو هياكل إشكالية: أي، تعدديات أو تضاعفات تُشكل من قبل سلسلة متقاربة ومتباينة من التفردات ـــــ الأحداث.
عند كانط، فقط الشكل المتعالي من النفس/الذات هو الذي يضمن ربط السلسلة (مقولة "و... و")؛ والشكل المتعالي من العالم الذي يضمن تقارب السلسلة السببية المستمرة التي يمكن تمديدها (فرضية "إذا... ثم")؛ والشكل المتعالي من الله هو لذي يضمن الفصل في استخدامه الحصري أو الحدي (الحكم المنفصل "إما... أو").
متحررا من مزاعم التجاوز هذه، يجادل دولوز أن الأفكار تأخذ أخيرا مكانة محايثة بحتة، وتتشارك النفس والعالم والله الموت: "يشكل تشعب وتباين السلسلات المؤكدة "chaosmos" الذي لن  يكون عالما بعد اليوم. والنقطة الجزافية التي تقطعهم عرضيا  تشكل نفسا مضادة، ولن تعود نفسا بعد اليوم ؛ ويُفترض الفصل كتوافقية تُبادل مبدأها الثيولوجي بالمبدأ الشيطاني... ".
في (الاختلاف والتكرار )، يطور دولوز  مجموعة من المعايير الرسمية للأفكار بهذا المعنى المحايث البحت: الاختلاف، التكرار، التفرد، الإشكالية، التعددية، الحدث، الافتراض، والسلسلة، والتقارب والتباعد، ومناطق عدم التحديد، وما إلى ذلك. يقدم (الاختلاف والتكرار ) بهذا المعنى، تصورا جديدا للديالكتيك.  تسيطر على الأفلاطونية فكرة تأسيس معيار للاختيار بين الشيء نفسه وصوره الزائفة : "منح أفلاطون تأسيس الاختلاف الهدف الأسمى للديالكتيك "، لكن الاختلاف يبقى هنا اختلافا خارجيا بين الأصيل و غير الأصيل. الأفلاطونية قادرة على "إحداث الاختلاف" فقط من خلال إقامة (نموذج المثل) للذي يقيّم الاختلافات وفق درجة تشابهها مع الفكرة المتعالية. في مقلوب الأفلاطونية الدولوزي، يتم تغيير توزيع هذه المفاهيم. إذا كان الاختلاف بين الشيء وصورته الزائفة غير قابل للادراك، فسيصبح الاختلاف داخل الشيء نفسه (في نفس الوقت الذي يصبح تشابهه خارجيا فقط ). الاختلاف لم يعد يكمن بين الأشياء و وصورها الزائفة، لأنهما نفس الشيء؛ بدلاً من ذلك، يكون الاختلاف داخليًا بالنسبة للأشياء (الأشياء هي نفسها صورا زائفة ). ما هو مطلوب إذن هو فكرة خالصة عن الاختلاف، فكرة محايثة في الأشياء ذاتها. لم تعد فكرة المحايثة صفة خالصة ، كما عند أفلاطون، بل بالأحرى "علة كل الصفات".
يصف دولوز مشروعه بعبارات تفاضلية صريحة: "كل كائن، كل شيء، يجب أن يرى هويته الخاصة مبتلعة في الاختلاف، كل كائن ليس أكثر من اختلاف بين اختلافات. يجب أن يكون الاختلاف مختلفًا... لذلك يجب أن لا يكون الكائن متطابقًا بأي حال من الأحوال، ولكنه ممزق اربا في اختلاف تتلاشى فيه هوية الكائن كما يراها الذات. يجب أن يصبح الاختلاف العنصر، والوحدة القصوى؛ لذلك يجب أن يشير إلى اختلافات أخرى لا تحدده أبداً ولكنها بدلا من ذلك تميزه أو تفاضله".

هذه النظرية المحايثة للأفكار هي التي تشكل ما يسميه دولوز "الامبيرية المتجاوزة ". لا تزال الهوية والتشابه قائمان، ولكنهما الآن مجرد آثار ناتجة عن الفكرة التفاضلية: "ينتج الاختلاف صورة هوية كما لو كان ذلك غاية المختلف . ينتج الاختلاف صورة من التشابه كأثر خارجي للـ"متباين او المختلف"... ومع ذلك، هذه بالضبط هوية وتشابها ملفقا ومزيفا... إنها  دائما اختلافات تشبه بعضها البعض، والتي تكون متماثلة أو متعارضة أو متطابقة: الاختلاف وراء كل شيء، لكن لا شيء وراء الاختلاف".

تعليقات

المشاركات الشائعة