دريدا: تفكيك السيادة والديموقراطية والدين والتكنولوجيا.

دريدا : تفكيك السيادة والديموقراطية والدين والتكنولوجيا.
أماني أبو رحمة .
هدف التفكيك قي رأي جون كابوتو: "هو أن تحلحل أو أن تفك مغاليق التراكيب والبناءات ، أن تجعل صدمة الغيرية تتورط مع تلك البناءات في الفضاء المفاهيمي ذاته، ان تسمح لها بالعمل بحرية اكبر وابداع أعظم" . التفكيكية كما يراها دريدا هي تداخل أو اعتراض intervention . أن تقحم آخرا ثالثا جرى اقصاؤه وتهميشه على الأزواج المتعارضة غير القابلة للاختزال التي شكلت البناءات وقدمتها بوصفها بنى جامدة غير قابلة للاختراق. يقول دريدا " التفكيكية كما أكدت مرارا، ليست محايدة ، بل اعتراضية تداخلية . ليست نفيا محضا ولا كلبية ثقافية، كما أنها ليست المساعي الايجابية الحميدة للمفكك ". التفكيكية ـ يقول كابوتو: "ايجابية تأكيدية ؛ تأكيد ما هو غير قابل للتفكيك ،.... ثقة بالوعد ..وثبة " وبوصفها اعتراضا أو تداخلا فانها مرتبطة بقوة بالاستكشاف أو الإبداع أو الابتكار أو الإختراع . اكتشاف الآخر . هنا يقول دريدا : التفكيكية " إما أن تستكشف ، أو لن تكون ". الاستكشاف يعني تقديم الآخر، الثالث، الخارج  الذي جرى اقصاؤه من البنية المفاهيمية لحقل ما . بالنسبة لدريدا، أن تكون مستعدا لتقديم الآخر، القادم، الذي سيأتي هو ما يطلق عليه التفكيكية. وفي الحقيقة أن أعمال دريدا الاخيرة ركزت كثيرا على القادم ، الآخر من خلال تفكيكه لعدد من الظواهر مثل : العطاء والمنح ، والغفران أو التسامح، والضيافة ، والديموقراطية، والحداد. ولتفكيك الظواهر السياسية لم يوظف دريدا أيا من مصطلحاته التفكيكية القديمة: المعضلة aporia، والمأزق المزدوج double bind، والإلحاق supplementarity، والحضور والأرجاء  différance، والتناقض antinomy، والتكرارية iterability وغيرها، ولكنه اختار مصطلحا آخر هو المناعة الذاتية . المناعة الذاتية مصطلح من المجال الطبي الحيوي يعني[ بالنسبة لدريدا] أن الجسم يدمر أجهزته الدفاعية التي يحمي بها نفسه من الآخر من أجل استقبال الآخر(مع ملاحظة الخطأ العلمي الواضح في هذا التحديدالدريدي). ومغزى توظيف هذا المصطلح سياسيا هو التركيز على حقيقة أن الحدود الجامدة للسياسة قد تفككت بطريقة تستوعب الآخرين الذين جرى اقصاؤهم عن طريق فتح ذاتها لهم. في (المارقون) يرى دريدا ان الديموقراطية التي تتكون أصلا من مفردتين غير متجانستين (القوة، السيادة، الحكم ) و(الجماهير ، الناس ، الشعب)، تريد أمرين غير متوافقين معا في الوقت ذاته. "من ناحية هي تريد الترحيب بالناس شرط أن يكونوا مواطنين، أخوة ، ...رافضة كل الآخرين ، ومن ناحية ثانية ، وفي الوقت ذاته، تريد الديموقراطية أن تفتح حدود ذاتها لاستضافة كل اؤلئك الذين أقصتهم". الأكثر وضوحا في الديموقراطية هو أن السلطة السيادية تقع ضمن مسار دائري. فالديمقراطية، من حيث التعريف، تترك نفسها مفتوحة لإمكانية انتخاب هيئة بشكل ديمقراطي من شأنها أن تلقي بالديمقراطية بعيدا. يناقش دريدا على سبيل المثال الانتخابات الجزائرية عام 1992 حيث تم التدخل بالانتخابات من أجل منع فوز الإسلاميين. يقول دريدا إن خطوة إلغاء الانتخابات هي انتحار للديمقراطية "لمصلحتها، من أجل العناية بها، من أجل تحصينها ضد هجوم أسوأ بكثير، من المرجح جدا أن يحدث ". ويقول دريدا أيضا إن نقل السلطة الى الشعب في الديموقراطية "لن يكون قادرا على تجنب تدمير الديمقراطية نفسها" لأن الديمقراطية انتحارية أساسا. يعرض دريدا أيضا في (الايمان والمعرفة) الطرق المتناقضة التي يوظف بها الدين العلم والتكنولوجيا لإدامة نفسه بينما يندد بها في الوقت ذاته لصالح معانيه الخاصة في الحياة والمعيشة. يهتم دريدا بمسألة كيف أن مفهوم الحياة المتعالية (المتجاوزة) التي يقوم عليها الدين تعتمد على/ وترفض أهمية هذا النوع من الحياة البيولوجية التي يصوغها العلم. وعلاوة على ذلك، في الخطابات الدينة السياسية الحالية يبدأ الدين مع /ويتبع منطق العلم والتكنولوجيا من أجل خلق/ والحفاظ على مكان مقدس يتطلبه لحماية الحياة المتعالية. بالنسبة لدريدا فإن المناعة الذاتية تطلق على االصيغة التي يدرج بها الدين والعلم كل منهما في أُفق الآخر بشكل تبادلي, وبالتالي فان أي تحليل معاصر للدين يجب أن يبدأ من الاعتراف بأن الدين في نهاية الألفية "يرافق ويسبق" العقل التلي ــــ ـتكنوعلمي أو بشكل أفضل تلك التقنيات التي تقلل من المسافة وتزيد سرعة الاتصالات على مستوى العالم، التي تربطها بالرأسمالية والثقافة الأنجلو أمريكية. التحركات نفسها التي تجعل من الدين والتكنوعلمية متوازيين تؤدي ايضا الى حركة ضد المناعة  هي بالذات ما أطلق عليه (المناعة الذاتية ).
هوامش:
1-الأبوريا aporia في الأصل مصطلح يوناني بمعنى اللغز، والحيرة و الارتباك، ولكن مع توظيف دريدا أصبح للأبوريا معني شيئا أوسع مثل الطريق المسدود أو المفارقة. وقد وظفه دريدا على وجه الخصوص،ليعني المفارقات التي تصيب مفاهيم مثل المنح والضيافة والتسامح والحداد. ويقول إن حالة إمكانيتها هي أيضا، وفي الوقت ذاته، حالة استحالها possible-impossible aporias
2- قدم جاك دريدا لما بعد البنيوية وجة نظر مختلفة بعض الشيء عن فوكو، من خلال مفهومه عن الالحاق أو التكميل supplementarity [ضمن مصطلحات أُخرى مثل الفارماكون والأثر وتحت الممحاة وعلم النحو والانتشار أو التشتيت وغيرها]. يشير الالحاق إلى وسيلة للتفكير في كيفية نشوء المعاني. بمعنى أن المعنى قد نظم من خلال الفرق، في لعبة ديناميكية للحضور والغياب. يتوسع دريدا في المفهوم: "الالحاق، هو لا شيء، لا حضور ولا غياب، ليس مادة ولا جوهر للرجل [هكذا]. انه بالضبط لعبة أو حضور وغياب، افتتاح هذه العبة الذي لا مفهوم ميتافيزيقي أو وجودي يمكنه فهمه" دريدا يؤكد أن التركيز على هذه اللعبة مفيد لأنه يكشف أن ما يظهر على انه خارج النظام المعطى هو دائما بالفعل داخله بالكامل. وأن الذي يبدو طبيعي هو تاريخي.
3- الحضور والاختلاف المرجأ:كل معنى هو مختلف وغائب ومؤجل باستمرار. يعتقد نقاد المقاربة التفكيكية أنه لا يوجد أساس متين للتفكير (نسب المعنى، الفهم)، ولا نهاية له - أي الحصول على معنى نهائي، أو "مغزى". لا يمكن للتفكير التوصل إلى بيان ختامي حول موضوعه، ذلك أنه يفكر فيه دائما من جديد. يوظف جاك دريدا مصطلحي "الحضور" و "الاختلاف المرجأ" لتعليل ذلك. الحضور: هو وهم المعنى الأصلي، غير قابل للمصادرة والتصرف بعيدا عن العلامة الخاصة به. أما الاختلاف المرجأ : فهو ما هو موجود في الواقع، أثر من المعنى، يتابع طريقه من نص إلى نص - وهو منفصل عن الزمن، متأخر في المستقبل، ويختلف دائما عن المعنى الأصلي. ويدعي دريدا أن التأكيدات غير الدقيقة، والتبديلات، والتحولات تشارك دائما في تاريخ المعنى (وفي التاريخ كله على هذا النحو)، "البداية يمكن استدعاؤها والنهاية - متوقعة " بسبب "الحضور" الوهمي للمعنى. ومع ذلك، فإن الـ"معنى" الواقعي الموضوعي - لم يكن نفسه أبدا، ولكنه مستمد من بدايات لا يمكن تصورها حلت محلها علامات. لذلك فإن العلامة لا تحل محل أي شيء [سابق لها ] مستقر وثابت. المركز (أي المغزى أو المعنى ) ليس مكانا ثابتا، ولكنه وظيفة، تسمح بلعب لا نهاية له من قبل بدائل العلامة. وهكذا فان المشار اليه designatum المركزي - الجوهري والمتعالي - لا يكون أبدا حاضرا تماما خارج نظام الاختلافات. يوسع غياب المشار اليه المتعالي مجال المعنى و"اللعب بالمعاني" الى مالا نهاية. وضح سقراط قابلية الكلمة لتغيير معناها بالفعل، في حججه حول جوهر الأشياء. فقد طلب من محاوريه تحديد بعض المفاهيم، وبعد ذلك، "غمر" هذه المفاهيم في سياقات جديدة، بحيث جعلتها تتعارض مع تعاريفها الأولية - مما يثبت بطلانها. وهكذا فان المعرفة الأصلية للمحاور قد "تفككت" بالتالي، ولم يعد بالامكان العودة إلى معنى أصيل لمفهوم، ذلك أنه قد تم مسحه من قبل تحول داخلي (الاختلاف المرجأ). ووفقا لدريدا، فان الـ "معنى" بقي كما أثر، عبثا "يحاول ايجاد معناه".
4-التكرارية ( Iterability ) الذي يشير بشكل أساس إلى قابلية اللغة على التكرار، لا على معنى فعل الكلام ( Speech Act ) وتفريعاته، والتكرارية قضية ترتبط بتكرارية الأصل، مثل اعتماد الأثر على ( الأثر الأصـل )، واعتماد الاختلاف على ( الاختلاف الأصل )، وتُعدّ التكرارية أصل لكل ما يقبل الوجود، وهي شرط إمكانية إعادة الإنتاج والتمثيل والاقتباس، فضلاً عن أنّ احتمالية التكرار هي أساس احتمالية الغياب، وتعدد المعنى، وتغييب المدلول، والتكرار هو أساس الهوية لأنّه يعتمد على إدراك علامات المشابهة بين الهوية وآخرها، وتعتمد هذه العلامات في الوقت نفسه على قابليتها وقدرتها على الاستنساخ والتكرار، حتى قيل : إنّ الهوية القابلة للتكرار هي الهوية المثالية، وبدون التكرار لا وجود للحقيقة حسب الرؤية التفكيكية.





تعليقات

المشاركات الشائعة